فى نهاية يوم شاق من أيام زيارته التاريخية لمصر، زار خلاله ولى العهد السعودى الأمير محمد بن سلمان منطقة قناة السويس، ورأى جانباً من الأنفاق الستة العملاقة التى تعبر تحت مياه القناة لتصل سيناء بالوادى على إمتداد 6 كيلو مترات فى المتوسط، و لتصبح سيناء لأول مرة جزءاً لا يتجزأ من وادى النيل، كما شهد جانباً من المنطقة الإقتصادية لقناة السويس التى تضم 187 مشروعاً تنموياً ضخماً فى أربع مناطق صناعية كبيرة تمتد على مساحة 460 كيلو متراً مربعاً، تضم مصانع للصلب والحديد والبتروكيماويات والأسمنت وتجميع السيارات وحوضا جافا عملاقا لإصلاح السفن العابرة، ومحطة ضخمة لتصدير الحاويات إلى أفريقيا وأوروبا، وركب قناة السويس الجديدة، وطاف بتفريعاتها التى إختصرت مدة عبور القناة 11 ساعة لتصبح أقصر طريق للملاحة حول العالم وأقلها كلفة يصعب بل يستحيل منافستها على أى من مستويات العالم، وشاهد أبعاد العمران المتكامل فى مدينة الإسماعيلية الجديدة شرق القناة التى إكتملت على نحو أسطورى يمكن أن يسكنها غدا مئات الآلاف من السكان الجدد .
وفى نهاية هذا اليوم الشاق زار ولى العهد السعودى الإمام الأكبر الشيخ أحمد الطيب فى مكتبه، مؤكداً دور الأزهر ووسطيته وإعتداله فى هزيمة الإرهاب والتطرف، ليكشف أيضا رؤية السعودية الجديدة التى عبر عنها الملك سلمان لاول مرة في خطابه في مؤتمر الجنادرية أمام جمع من المثقفين والزعماء العرب والمسلمين رفض فيها بوضوح قاطع حروب الأديان والحضارات، مؤكدا أهمية تواصل الأمم والشعوب وتبادل المنافع بينها والجنوح الي السلام متي جنحوا إليه, وأن الآخر موجود له حقوق يتحتم الإعتراف بها.
ثم زار بطريريك الأقباط وبابا الإسكندرية فى مقره البابوى بالعباسية كى يتعرف على العائلة المصرية الجديدة التى تضم أقباط مصر ومسلميها فى نسيج وطنى واحد، حاول الإرهاب والتطرف تمزيقه، لكنه يزداد قوة وتماسكاً وصلابة، وفى نهاية هذا اليوم الشاق جاء لقاء الأمير محمد بن سلمان مع صحفيي مصر وكتابها في دار السفير السعودي بالقاهرة احمد القطان حيث تواصل اللقاء اكثر من ساعتين، ولم يكن أى من صحفيي مصر وكتابها قد تعرف عن قرب بولى العهد الجديد الذى يقود معركة باهرة لتغيير المجتمع السعودى، أثارت جدلاً ونقاشاً واسعاً فى العالمين العربى والإسلامى.
وحسنا ًأن جاء اللقاء فى نهاية هذا اليوم بكل مشاقه لنري ردود أفعال علي وجه الأمير طازجة مباشرة وقوية، صريحة تؤكد المعنى الإستراتيجى الحقيقى لتطابق الموقفين المصرى والسعودى فى كل المجالات السياسية والتنموية والإقتصاديةعلي ذات القاعدة الأساسية فى العالم العربى التى لا تزال صحيحة, ومفادها أنه كلما كبر حجم التوافق بين مصر والسعودية كبر حجم التوافق العربى، وزاد الأمل فى تضامن عربى حقيقى، وأصبح خروج العرب إلى وضع أفضل وأشد تفاؤلاً أمراً مؤكداً.
وبنص كلماته، (السعودية ومصر كلُ واحد يستحيل أن تجد بينهما موقفاً مغايراً، وأعداء مصر هم أعداء السعودية وأصدقاء مصر هم أصدقاء السعودية)، وما (يفعله المصريون من إنجاز ضخم وإتقان وجودة مع حرص على إختصار مدد التنفيذ دون الإخلال بالجودة تلمسه فى كل مشروعات التنمية المصرية يؤكد أن مصر بخير وأن العرب بخير)( وأن 80 فى المائة من الكوب العربى مملوء بالإنجازات والأعمال الضخمة، ولا ضرر مرة فى أن تكون فى حاجة إلى إصلاح 20 فى المائة من أحوالنا لكن الموقف فى مجمله يدعو إلى التفاؤل)، وفى (هذه الزيارة كان تركيزنا الأكبر على مشروعات التنمية الإقتصادية المشتركة)، (نعم تستطيع مصر والسعودية ضمان قيام دولة فلسطينية مستقلة، وتستطيعان دون شك ضمان أن تكون القدس الشرقية عاصمة للدولة الجديدة، لكن المشكلة أننا لا نزال نجابه إنقساماً فى وحدة الصف الفلسطينى، ولو أن الفلسطينيين وحدوا مواقفهم لإختصروا علينا الكثير من الوقت والجهد)، (فى الحساب النهائى قطر لا تمثل خطراً لأن الخطورة فى قطر أنها ليست أكثر من منصة لجماعة الإخوان المسلمين وأن ما تفعله الاسرة الحاكمة مجرد مجموعة من الصغائر تستحق الازدراء وأن قطر في الحساب الاخير ليست سوي تابع لجماعة الاخوان) (لا أظن أن أحداً يستطيع أن يفرض أمراً على الدول الأربع، السعودية ومصر والإمارات والبحرين لأن الدول الأربع تعاهدت على الخلاص من الإرهاب وأنا علي يقين انها سوف تفي بكل تعهداتها.
نثر محمد بن سلمان بهجة التفاؤل على الإجتماع، وكان حديثه عن إنجازات المصريين والسيسى مدعاة لفخر المصريين وإعتزازهم، ومؤشراً قوياً على أن المصريين قد عبروا بالفعل عنق الزجاجة، وأن العالم العربى سوف يكون باليقين أسعد حالاً، وأن واجب الصحافة العربية الأول هو طمأنة العرب جميعاً لأن أكثر من 16 دولة عربية تقف إلى جوار مصر والسعودية وأكثر من 40 دولة إسلامية، وأن الأغلبية العربية والإسلامية تعرف طريقها الصحيح، كما أن نجاح مصر يعطى مؤشراً مهماً على قدرة العرب على إجتياز مصاعبهم ولهذا ينبغى للصحافة العربية أن تكون أكثر تفاؤلاً بالغد العربى.
تكلم الأمير عن إيران وقال إن نفوذها ينحصر الآن في العالم الاجمع وتكاد تعيش عزلة دولية وأن الروس حلفاء للروس وحلفاء لمصالحهم ولا مصلحه بالمرة للعرب في علاقة سيئة مع روسيا لأن روسيا تحسن أن تفيد وتستفيد كما ان لها علاقة قوية مع مصر والسعودية وان ما تكسبه من علاقات عربية أقوي كثيرا من علاقتها بإيران.
والحق أن كل تقارير الداخل السعودى التى يكتبها مراقبون محايدون من الخارج تؤكد أن شعبية محمد بن سلمان تتزايد، وأن مساندته لم تعد وقفاً على الشباب السعودى الذى يبدى حماساً شديداً لضرورة تحديث المجتمع السعودي، لأن 60 فى المائة من تعداد السعودية دون 45 عاماً، ولم يعد وقفاً على المرأة السعودية التى إستعادت الكثير من حقوقها وحريتها وأصبحت جزءاً من حركة المجتمع السعودى إلى الأمام، وأن معظم قيادات المجتمع المدنى فى جميع أنحاء البلاد كما أن عدداً بارزاً من القيادات الدينية الرشيدة تؤيد حركة الإصلاحات الجديدة, وأن السعودية تستعيد بالفعل أمنها وإستقرارها، كما أن غالبية الأسرة المالكة تساند هذه الإصلاحات وتقف إلى جوار مكافحة الفساد.
ولا يتحدث محمد بن سلمان عن أى من الموضوعات المحلية أو الإقليمية والدولية دون أن يكون لديه فيض من المعلومات التى تساند وجهة نظره، وتجعله جزءاً من هذه الرؤية المستقبلية الواضحة، وربما يعود ذلك إلى البيئة التى عاشها فى كنف والده خازن أسرار الأسرة المالكة، والرقيب على حسن الإلتزام بتقاليدها، واسع المعرفة والثقافة بأحوال العالم العربى، ووثيق الصلة بمعظم المفكرين والمثقفين العرب، هذه البيئة الغنية بالمعرفة والأفكار شكلت العالم الذى نشأ وتربى فيه ولى العهد السعودى، ثم واتته الفرصة مبكراً عندما اختاره الملك الراحل عبدالله وهو لم يزل فى بداية الثلاثينيات من عمره لعدد من المناصب الوزارية زادت من معارفه ومكنته من أن يتكلم بإستفاضة وعن علم فى العديد من قضايا الرأى العام التى تهم المواطن العربى، وهو ليس مجرد خازن للمعلومات، ولكنه صاحب عقلية تحليلية شديدة الإبتكار والتطور، أخص ما يميزه التفاؤل والإيمان بقدرة العقل العربى.
و خلاصة القول:
إن المملكة مستقرة وثابتة وان نظامها الاجتماعي والسياسي يستند إلي جذور قوية بالغة العمق, وان الاسرة تكيف أوضاعها مع متطلبات التغيير, وان الشقيق الأصغر لوليد بن طلال من أكبر مناصري التغيير وهو يتولي الان إمارة عسير.
إن الاغلبية تنحاز الآن لرؤي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لمستقبل السعودية ومستقبل العلاقات العربية وأهمية العلاقات الاستراتيجية بين مصر والسعودية, وهو بطبيعته شخص متفائل يعتقد أن الغد سوف يحمل للعرب أخبارا كثيرة جيدة, كما أن رؤيته لمصر تتميز بالشمول والادراك البالغ لأهمية أن تكون مصر والسعودية يدا واحدة وأظن أن الكيمياء تعمل جيدا بينه وبين الرئيس السيسي, وأن ايقاعهما يكاد يكون مترابطا, سواء بضرورة الاخذ بأساليب العلم والعمل المستمر لتحقيق المزيد من الانجازات وتأكيد التضامن العربي سبيلا صحيحا يضمن للعرب الخروج من أزمتهم الراهنة إلي عالم فسيح من التقدم.
المصدر : جريدة الأهرام