بقلم : مكرم محمد أحمد
يبدو أن شيئاً ما يحدث في إسرائيل لم تظهر بعد كل نتائجه، وان كانت الإشارات العديدة تؤكد انه يتعلق بالفرص المتزايدة لخروج رئيس الوزراء بنيامين نيتانياهو من الحكم في ثلاث قضايا فساد مهمة، أخطرها يتعلق بتلقيه رشاوي عن صفقة غواصات وقطع بحرية صغيرة تم شراؤها من ألمانيا، آخر الإشارات التي شكلت مفاجأة مهمة لم يكن يتوقعها احد هي خروج الرئيس الاسرائيلي رؤوفين ريفلين عن مألوف دوره المراسمي أثناء خطابه الافتتاحي للدورة الشتوية للكنيست الاسرائيلي يتهم رئيس الوزراء بنيامين نيتانياهو وحليفه اليمني القح وزير التعليم نفتالي بينيت وجماعة صقور اليمين الاسرائيلي المتشدد بأنهم يحاولون إضعاف المحكمة العليا وتحجيم دورها، بينما تلعب دوراً مهماً في حراسة الديمقراطية الإسرائيلية، كما يحاولون تكميم أفواه الصحافة والإعلام ومنعها من نشر وإذاعة ومتابعة كل ما يتعلق بقضايا فساد نيتانياهو، وما يزيد من وقع المفاجآت أن خطاب الرئيس الاسرائيلي الافتتاحي للكنيست كان صريحاً ومباشراً في تأكيد أن الديمقراطية الإسرائيلية في خطر بسبب تصرفات بعض الوزراء الذين يريدون المصادرة علي اي رأي آخر وإسكات الصحافة رغم انتماء الرئيس الاسرائيلي ريفلين إلي تحالف الليكود.
كان الرجل صريحاً ومباشراً عندما وصف تحركات بعض الوزراء وفي مقدمتهم وزير التعليم نفتالي بينيت ضد المحكمة العليا بأنها جزء مستمر من محاولة إضعاف المحكمة التي تحرس الديمقراطية الإسرائيلية، لأن المحكمة العليا رفضت الموافقة علي مشروع قانون قدمه أنصار نيتانياهو بتأجيل محاكمة رئيس الوزراء إلي ما بعد نهاية ولايته حرصاً علي مكانته، واعتبرت المحكمة العليا مشروع القانون نوعاً من التمييز المرفوض لمصلحة رئيس الوزراء نيتانياهو. والواضح من خطاب الرئيس الاسرائيلي في افتتاح الدورة السنوية للكنيست انه ينتقد علانية موقف رئيس الوزراء الذي قضي الشهور الأخيرة يهاجم الصحافة والإعلام، لأنها تتحدث عن جرائم الفساد التي طالت رئيس الوزراء وزوجته سارة، وما يدهش في القصة أن وزيرة العدل الإسرائيلية ايليت شاكيد انضمت الي وزير التعليم في الحملة علي المحكمة العليا بدعوي أن ليس من مهام المحكمة العليا أن تقول رأيها في مشروع القانون الذي يهدف إلي تأجيل محاكمة رئيس الوزراء إلي ما بعد انتهاء ولايته، لان ذلك من اختصاص الكنيست وحده، وليس من حق المحكمة العليا أن تقول أي القوانين تفضلها ولماذا تفضلها، لأن ذلك يمثل عدواناً علي حق البرلمان. ومع أن القانون الاساسي في إسرائيل لا يعطي لرئيس الدولة أي سلطات أو مسئوليات واضحة ومحددة ويكاد يكون دوره مراسمياً فقط، إلا أن خطاب الرئيس ريفلين لا يمكن أن يمر في هذه الظروف دون ان يكون له أثره البالغ علي المسرح السياسي خصوصاً مع تنامي الرغبة داخل إسرائيل في إنهاء حكم تحالف الليكود وظهور بديل جديد داخل حزب العمل تؤكد غالبية التوقعات انه قادر علي توحيد حزبه وهزيمة نيتانياهو في انتخابات الكنيست المقبلة، ورغم ان هذا البديل يمثله افي جباي الذي لا ينكر عزمه علي مناصرة حركة الاستيطان ويعتقد أن الطرف الفلسطيني غير جاهز لمشروع سلام مع إسرائيل ينهي كل أوجه القضية، فإن ميزة افي جباي الأساسية انه يقبل بدولة فلسطينية تعيش في سلام إلي جوار دولة إسرائيل وفي خضم صراع بنيامين نيتانياهو علي البقاء في السلطة رغم وجود ثلاث قضايا فساد، بينها القضية «ثلاثة آلاف» وهي القضية المتعلقة برشاوى الغواصات الألمانية، يزايد نيتانياهو علي قضية المصالحة الفلسطينية، ويطالب بان تعترف حماس أولاً بإسرائيل وان يتم تجريدها أولاً من السلاح رغم ان هذه الشروط ينبغي أن تكون جزءاً من صفقة متبادلة يعتبرها الرئيس الامريكي ترامب «صفقة العصر» أول شروطها تكافؤ فرص السلام المتبادل والاعتراف بحق الفلسطينيين في دولة مستقلة عاصمتها القدس الشرقية، وبديهي ان تتوافق فتح وحماس علي ان التسوية السياسية تقوم علي سلام واعتراف متبادل ينبذ الحرب والإرهاب، لكن الهدف من هذه المزايدات قطع الطريق علي المصالحة الوطنية ومحاولة اختلاق عقبات وأزمات تؤدي إلي إفشال المصالحة قبل أن تبدأ، مثل الحديث عن شروط سرية للمصالحة تهدف إلي إدخال حماس ضمن إطار منظمة التحرير بهدف التمهيد لرئيس المكتب السياسي السابق لحماس خالد مشعل كي يكون وريثاً لحكم ابو مازن، مع الأسف فان كل ذلك مجرد تكهنات تستبق الواقع والأحداث، هدفها الأول إحداث وقيعة بين حماس وفتح تفسد المصالحة وتمنع إتمامها.