بقلم : مكرم محمد أحمد
بسيطرة العراق المفاجئة ودون معارك تذكرعلي منطقة كركوك وحقولها البترولية الغنية (100 كيلو متر مربع) التي كان الاكراد يأملون في ان تكون عاصمتهم الجديدة رغم انها تضم نسبة غير قليلة من التركمان والعرب ، بعودة سلطة الدولة المركزية الي كركوك التي استولت عليها كردستان عام 2014 بعد هزيمة الجيش العراقي في الموصل امام داعش، نجح رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي في ان يفرض علي الارض واقعا جديدا، نزع كركوك من سلطة مسعود البرزاني ، وأضعف فكرة الدولة الكردية المستقلة خاصة بعد الانقسام الضخم في الموقف الكردي، وانضمام حزب الاتحاد الكردي الذي كان يرأسه جلال الطالبانى الي الدولة المركزية ورفضه الدخول في اي مواجهة عسكرية مع القوات العراقية وتسليمه طواعية جميع مواقعه في منطقة كركوك الي حكومة بغداد .
وبرغم ان مسعود البرزاني يتحدث الآن عن مؤامرة وخيانة أدت الي تسليم كركوك للسلطة المركزية دون اية معارك، غير ان ما حدث علي ارض الواقع يؤكد ان سقوط كركوك جاء في اعقاب ليلة تفاوض شاق جري في مدينة السليمانية ، حضرها مسعود البرزاني رئيس الحزب الديمقراطي الذي اصر علي اجراء الاستفتاء رغم تحذيرات الجميع وعدد من قيادات الحزب الاتحادي ، ورأس التفاوض الرئيس العراقي فؤاد معصوم الذي قدم من بغداد مصرا علي انهاء المشكلة، لكن برزاني أصر علي موقفه مطالبا بمهلة جديدة ، ولم يكن هناك من حل سوي ان تبدأ السلطة المركزية تحريك قواتها وفرض سيطرتها علي كركوك ، وبالطبع لم تشارك قوات الحزب الاتحادي الكردي في المعارك وانسحبت من المعركة تاركة مواقعها لقوات بغداد المركزية .
وربما يكون الفارق بين حيدر العبادي رئيس وزراء العراق ومسعود البرزاني رئيس كردستان العراق ، أن العبادي أدار قضيته علي نحو عقلاني رشيد ألزم العالم الوقوف إلي جوار العراق بما في ذلك الولايات المتحدة التي تتعاطف مع الأكراد ومنحتهم هذا الزخم الضخم للمطالبة بالاستقلال، وبرغم التعاطف الواسع الذي تلقاه القضية الكردية توافق العالم علي أن الحل الصحيح للمشكلة هو تصحيح العلاقة بين حكومة بغداد المركزية والأقلية الكردية «4 ملايين نسمة» وليس الانفصال في دولة عرقية مستقلة خاصة ان الاكراد والعرب يخوضون معا المعارك الاخيرة ضد داعش !.
والمطلوب الآن من العراق كي يبقي دولة قوية موحدة أن يخفف الشيعة العراقيون من غلواء طائفيتهم ، وان يعترف أكراد العراق بحجم التقدم الضخم الذي حدث لهم في إطار الفيدرالية العراقية ، وان تعرف العشائر العربية وسط العراق أن عصر صدام حسين قد مضي وانتهي ، وأن وحدة الدولة العراقية هي أعظم خياراتهم وليست داعش أوالنصرة .
وأظن أن العبادي أدار قضية بلاده بشجاعة ومهارة فائقة ، لم يتسبب في أي أذي للشعب الكردي ، وتمثل رده الصحيح في تطبيق الدستور العراقي الذي وافق عليه الأكراد ورد حقول البترول خارج حدود أراضي كردستان إلي الدولة المركزية ، وإعادة منافذ الحدود والمطارات إلي سيطرة الدولة المركزية ، لكن مسعود البرزاني فعل عكس ذلك ، خدعته الصورة من الخارج وتصور أن الأمريكيين سوف يساندونه في ظروف يحتاجون فيها إلي وحدة الكرد والعرب في الحرب علي داعش خاصة أن المعركة الحاسمة في مدينة «الرقة» السورية تقترب من نهايتها ، علي حين إستخف مسعود البرزاني بقوة المجتمع الدولي فإذا به يجد نفسه وحيداً إلا من مساندة إسرائيل، يخسر العرب ويخسر الترك والإيرانيين، ويجعل من خصمين لدودين هما إيران وتركيا قبضة قوية معارضة للإستفتاء والإستقلال تهدد بالتدخل العسكري، وتساعد العراق علي السيطرة علي منافذ الحدود، والأنكي من كل ذلك أن يتجاهل «البرزاني» تناقضات الموقف الداخلي الكردي وخروج أصوات معارضة قوية للانفصال تمثلت في الحزب الاتحادي، كما استخف بحقوق التركمان والعرب في مدينة كركوك التي أرادها خالصة للاكراد .
ولا شك أن التخفيف من غلواء الموقف الطائفي في العراق وإعادة الوجه العربي إلي سياسات العراق وتجنب ممارسات نوري المالكي السابقة التي تتسم بالتشدد الطائفي ، وتوجيه خطاب سياسي جديد إلي العشائر العربية وسط العراق يضمن لها تكافؤ حقوق المواطنة ، وتقليل نفوذ الحشد العراقي الذي هو بالفعل ميليشيات شيعية طائفية ، وتقليص حجم التأثير البالغ لإيران علي هوية العراق، حيث تبدو وكأنها الوارث الوحيد لسلطات أمريكا بعد غزو بغداد ، كل ذلك يمكن أن يساعد علي تعزيز استقرار العراق ووحدته ويزيد دعائم قوة الدولة العراقية ويعزز روابط المصلحة المشتركة بين العراق والعرب ودول الخليج ويصب في مصلحة أمن الشرق الأوسط واستقراره.