بقلم : مكرم محمد أحمد
هذا كتاب مهم يحسن أن يقرأه كل من مر بهذه التجربة العصيبة ، تجربة مريض بالسرطان جاوز الأربعين عاماً، أستاذ فى علوم السياسة يدير مؤسسة ناجحة للأبحاث الاستراتيجة، مفتوح أمامه المستقبل على مصراعيه دون عوائق، لكنه ذات صباح اكتشف أن فى جسمه ما يشبه أن يكون عقداً صغيرة ، وعندما ذهب إلى طبيب يفحصه فى لندن قال له الطبيب البريطانى بلهجة محايدة ودفعة واحدة دون أى تمهيد، «ستموت بعد أسبوعين» وعلى الرغم من أن الموت حقيقة مؤكدة لا مهرب منها فإن خبره يكون له دائماً وقع المفاجأة يتلقاه الناس بدهشة وكأنه خروج على ناموس الحياة، ويبدو أن «عبارة ستموت بعد أسبوعين» كانت كافية لاستنفار إرادة الحياة لدى أستاذ العلوم السياسية ، السلاح الخفى الذى أودعه الخالق فى كل نفس بشرية ومنحنا بعض المعرفة به وأوكل الينا استخراجه فى اللحظة المناسبة لنستعين به على عوامل الموت والفناء. ومهما تكن احترافية سلوك الطبيب البريطانى الذى منح نفسه حق تقدير الأنفاس المتبقية على الارض بدعوى ضرورة إبلاغ المريض بحقيقة مرضه مهما تكن خطورة حالته ، فان تحديد المدة الباقية للحياة ليس سلوكاً مقبولاً من أى طبيب خاصة فى حالة مريض السرطان الذى يحتاج أول ما يحتاج الى طبيب يجيد التعامل معه نفسياً لأن الواقعة كان يمكن أن تؤدى الى نتائج بالغة السوء لو أن المريض استسلم لمشاعر الخوف والضعف . لقد مضى الأسبوعان وتلاهما أسابيع كثيرة طالت إلى سنوات ، ولا يزال المريض على قيد الحياة بعد أن شُفى تماماً من مرضه ، يكتب وينشر ويدير مؤسسته البحثية بكفاءة عالية ويروى فى كتاب مهم تجربته مع مرض السرطان ، يوثق هذه التجربة التى تخلص فى رفض الاستسلام وامتلاك القدرة على قهر المرض والانتصار عليه، وأن الاصابة بالسرطان لا تعنى النهاية، وأن هناك من استطاع الصمود أمام هذا الخيار الصعب عن طريق إحياء القدرات التى زودنا الله بها ، وأن فرص الشفاء قائمة إذا رفض المريض الاستسلام وقاوم خصمه الشرس . لا تستسلم هذه الفكرة وهذا النداء قد يكون خلاصة تجربة دكتور جمال سند السويدى رئيس مركز الابحاث الاستراتيجية لدولة الامارات مع مرض السرطان ، لا تستسلم لان الله أودع فى كل منا نسبة ربما لا تكون فى كل الأحوال متساوية من الاحتمال والعزيمة والإرادة والعقل تكفى لقبول التحدى ، وواجب الانسان الرشيد أن ينمى ما أودعه الله داخلنا من هذه القدرة ، صحيح أن الاصابة بالسرطان تمثل حدثاً يزلزل حياة كل من يتعرض له ، بل لعله الحدث الاكبر والاكثر تأثيراً فى النفس والاكثر حضوراً فى الذاكرة في كل لحظة ، لأن ما يحدث فى الوعى والنفس والروح أقرب فى مداه وتأثيره على مستوى الفرد من حدث «الانفجار العظيم» ، يرافقك تأثيره سنوات لا تعرف خلالها سواه، ولا تشعر بغير سطوته وتحاصرك فى كل لحظة فضلا عن أثره البالغ على كل عضو من جسمك. وأصعب الأيام بالطبع هى أيام العلاج الكيماوى خاصة فى البداية التى تمثل أولى جولات النزال مع المرض عندما يتساقط شعر الرأس واللحية، لكن ما يساعد المريض على عبور هذه الفترة أن يكون قد قرأ الكثير عن مرضه وأن يهتم بمتابعة تطورات حالته ، ويتفهم جيداً طبيعة كل مرحلة من مراحل العلاج ، وبمعنى آخر أن يعرف أكثر عدوه ويتبين مدى شراسته ويدرك قدرة الخلايا السرطانية على غزو الخلايا السليمة المجاورة وتدميرها ونقل الخلل الى اعضاء ومناطق أخرى من الجسم بسرعة فائقة، بما يكشف التوحش المتزايد للخلايا المريضة التى تفترس خلايا الجسم السليمة بنهم بالغ ،والعلاج الكيماوى هو خليط من سموم توجه لقتل الخلايا المنفلتة التى تتطلع دائماً الى غزو الخلايا المجاورة ،ولأن العلاج الكيماوى شبه قاتل فإن جلساته يتبعها عادة إمداد جسم المريض بصفائح دماء جديدة، وما من شك فى أن المعرفة فى حد ذاتها قوة وكلما تعرفت على مرضك كنت على بينة منه ولم يعد عدوك مجهولاً، واصبحت تعرف ملامحه وتستطيع أن تتنبأ بما سوف يفعل! بما يزيد من ثقتك فى نفسك وقدرتك على الشفاء ، كذلك فإن القراءة عن المرض بما يصاحبها من تفكير وإعمال للعقل وتنبيه لملكات الملاحظة تشحذ إرادة المقاومة على هذا الخط الفاصل بين الموت والحياة. من فضلك لا تستسلم، فإن إرادة الحياة تمثل أهم عوامل الشفاء وهى موجودة داخلك وعليك أن تعثر عليها وأن تجليها ليس فقط فى مواجهة السرطان ولكن فى مواجهة أخطار أخرى جسيمة ربما لا تقل خطراً عن السرطان.