بقلم : مكرم محمد أحمد
الرئيس السودانى البشير بطبيعته متقلب المزاج، سرعان ما يغير مواقفه وفق مقتضى الحال، وهو غضوب جارح يندفع فى اتهاماته لهم دون مراجعة أو روية... وأظن أنه يعرف جيدا أن مصر تساند بقوة الفريق حفتر حفاظا على أمن ليبيا وأمنها الوطنى لأن سيطرة داعش على أى جزء من الأرض الليبية كبر حجمه أو صغر يشكل تهديدا مباشرا لحدود مصر الغربية فى مخطط واضح يتصور أن سقوط مصر لا قدر الله يمكن الدواعش من السيطرة على شمال إفريقيا العربى وجواره الإفريقى ويهدد أمن السعودية والخليج وأمن البحر الأبيض، ومن المؤكد أن الرئيس البشير يعرف أيضا أن مصر تساند حكومة جنوب السودان قدر استطاعتها بعد أن أعيتها الحيل مع نظام البشير ـ الترابى لمراعاة أوضاع سكان جنوب السودان وخصوصيتهم والاقرار بكامل حقوقهم فى المواطنة حفاظا على وحدة السودان الكبير ولعلها الدولة الوحيدة، التى عارضت الانفصال حتى اللحظة الأخيرة إلى أن رأى غالبية السودانيين شمالا وجنوبا أن الحل الوحيد هو قيام دولتين.
وإذا كان صحيحا أن قوات البشير ضبطت عددا من المعدات المصرية الصنع ضمن طابورى الاقتحام اللذين حاولا دخول السودان من كل من ليبيا وجنوب السودان، فالأمر المؤكد أن مصر لا يمكن أن تكون طرفا فى هذه القضية لأن مصر تلتزم على نحو صارم بعدم التدخل فى الشأن الداخلى لأى دولة وتعتبر ذلك من ثوابت سياساتها الخارجية الراسخة، ولو أن الرئيس البشير بذل المزيد من الجهد لتحسين علاقاته مع ليبيا بعد سقوط العقيد القذافى لتمكن من إصلاح علاقات السودان بدول الشمال، كما نجح فى إصلاح علاقاته مع دول جنوب القارة.. صحيح أن مشكلة مثلث حلايب وشلاتين تعكر صفو العلاقات مع مصر رغم أحقية مصر القانونية والجغرافية فى هذه الأرض، لكن السؤال هنا، لماذا لا يحصر البشير مشكلته مع مصر فى هذه القضية دون توسيع، وتصعيد الخلاف بما يفسد علاقات البلدين، لأن حلايب وشلاتين طال الزمن أو قصر يمكن أن تجد حلها الصحيح فى إطار تكامل إقليمى بما يزيد من وشائج العلاقات بين البلدين ويعزز تكاملها الاقتصادى، لكن مشكلة الرئيس البشير أنه يجتهد فى خلق ذرائع غير عقلانية لتوسيع خلافه مع مصر، يكايد مصر بوقوفه جهارا نهارا إلى جوار الحبشة رغم أنه يعرف حجم الغبن الواقع على مصر وطبيعة التهديد الذى يصل إلى حد حرمانها من حقها المشروع فى مياه النهر، ويمنع دخول الصادرات المصرية إلى السودان لأتفه الأسباب، ويشجع دول حوض النيل على بناء المزيد من السدود دون اعتبار لمصالح مصر المائية، ويتهم مصر زورا بالتدخل فى شئون دارفور رغم أن سبب المشكلة انقسام عقائدى داخل الحكم فى الخرطوم، وفى دارفور ذاتها حول أحقية الدارفوريين فى نوع من الحكم الذاتى بعد استقلال جنوب السودان، وهى قضية داخلية لا علاقة لها بمصر لم تنجح الخرطوم فى وضع حل صحيح لها. أن مصر تتمنى لشعب السودان فى الشمال والجنوب دوام الاستقرار والتقدم، وهى على عهدها الثابت تلتزم بالحفاظ على هذه العلاقات الأزلية قوية ومستمرة، لا يمكن أن تضمر سوءا للسودان والسودانيين، وتفتح أبوابها للملايين من أبناء السودان من الشمال والجنوب دون أى تمييز يعيشون بين ظهرانينا شأنهم شأن أى مواطن مصرى لأن السودان يشكل عمقا حقيقيا لمصر، كما أن مصر تشكل عمقا للسودان، وأظن أن شراكة وادى النيل لاتزال هى أحب الشراكات إلى قلوب المصريين والسودانيين.
عفوا سيادة الرئيس البشير لن تجنى شيئا من إصرارك على معاداة مصر وتوسيع مشكلة شلاتين التى يمكن أن تكون جسر وصال وتكامل بين البلدين الشقيقين.
المصدر : صحيفة الأهرام