بقلم - مكرم محمد أحمد
كان أحمد أبوالغيط أمين عام الجامعة العربية أول مسئول عربى يحذر مسعود البرزانى رئيس إقليم كردستان العراق من مغبة الانفصال عن العراق وخطورة سوء التوقيت لهذا الحدث المهم الذى يمكن أن تشمل تداعياته صداماً عسكرياً بين الحكومة المركزية فى بغداد وإقليم كردستان تشارك فيه تركيا وإيران اللتان يزداد تقاربهما بعد طول عداء، ويتشاركان الآن فى بناء جدار عرضه 3 أمتار بارتفاع أكثر من 6 أمتار كى يكون حائلاً بين الأكراد فى كل من إيران وتركيا والدولة الكردية الجديدة ، وكان أبوالغيط صريحاً عندما أكد للبرزانى أنه رغم التأييد الضخم الذى تعطيه الولايات المتحدة للأكراد ورغم تسليحها لأكراد سوريا بأسلحة متنوعة تشمل الدبابات والمصفحات وصواريخ الدفاع الجوى الذين يشاركون فى الحرب على داعش ويخوضون ببسالة المعركة الأخيرة ضد داعش فى مدينة الرقة السورية التى اختارها أبو بكر البغدادى عاصمة للدولة الاسلامية فإن واشنطن لن توافق على انفصال كردستان العراق فى هذه الظروف ضماناً لاستمرار تحالف العرب والكرد فى حربهم على داعش التى ترى واشنطن أنها المهمة الأولى بالرعاية، لكن مسعود البرزانى أصر على إجراء الاستفتاء فى موعده بدعوى أن استمرار كردستان جزء من دولة طائفية شيعية دينية يكاد يكون مستحيلاً ولا بديل عن الاستقلال وتقرير المصير، وبرغم أن مجلس الأمن الدولى رفض الاستفتاء على استقلال كردستان كما رفضه كل أعضاء المجتمع الدولى باستثناء إسرائيل أصر مسعود البرزانى على الانفصال دون أن يضع فى حسبانه مخاطر توحد الموقف الإيرانى والتركى والعراقى ورفض الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى وغالبية العرب.
برغم أن أكراد العراق حققوا فى كردستان وفى ظل الحكم الفيدرالى الكثير بحيث أصبح حالهم أفضل بكثير من حال العراق ويكاد يصل إلى مستويات الحياة فى جنوب أوروبا ونجحوا فى بسط نفوذهم على كل مصادر الثروة البترولية فى أراضيهم واستقلوا بعقد الصفقات البترولية مع الشركات العاملة فى الميدان دون موافقة الحكومة المركزية، ومدوا نفوذهم خارج الأرض الكردية لتشمل كركوك التى يتقاسمها الكرد والعرب والتركمان وأجزاء من محافظات ديالى ونينوى وصلاح الدين العراقية تفوق مساحة كردستان إلا أنهم تجاهلوا أثر هذا الانفصال على أكراد إيران وتركيا وسوريا الذين يتطلعون إلى دولة كردية موحدة ويشكلون العرقية الرابعة حجماً بعد العرب والإيرانيين والأتراك فى منطقة الشرق الأوسط ويتطلعون منذ قرن لقيام دولة مستقلة عاصمتها كركوك تغير خريطة المنطقة وتعيد رسمها على حساب دول المنطقة، وهم مقاتلون أشداء لهم تأثيرهم البالغ الخطورة على استقرار الشرق الأوسط وأمنه.
وأغلب الظن أن الحلم الكردى بدولة مستقلة فى كردستان العراق سوف يجهض سريعاً رغم أن جزءاً مؤثراً من العالم العربى لا يبدى استعداداً لمقاومة استقلال كردستان، فضلاً عن أن حرباً جديدة فى العراق ربما تكون اختباراً صعباً وإن كانت هذه الدول تحبذ الإبقاء على الفيدرالية فترة أطول وحل المشكلات المتزايدة مع الدولة المركزية فى بغداد التى ينبغى أن تُسقط ما تبقى من وجهها الطائفى بحيث تتساوى كل حقوق المواطنة بين الكرد والشيعة والعرب، وبرغم أن أغلب اعتراضات واشنطن على قيام دولة كردية ينصب فقط على سوء توقيت القرار ومخاوف تأثيره السلبى على الحرب ضد داعش فإن الأمريكيين يحبذون دون شك قيام دولة كردية ربما فى ظروف زمنية مغايرة.