بقلم : مكرم محمد أحمد
على امتداد أربعة أعوام ومنذ تم فض اعتصام رابعة العدوية يوم 14 أغسطس عام 2013، وجماعة الإخوان تحاول أن تصنع من هذا اليوم الدموى أيقونة للحرية ورمزا للصمود ينبغى أن تخلد ذكراه فى القلوب!، ويبقى فى ذاكرة الأمة قنديلا ربانيا يستمد نوره من القرآن والسنة، كما تزعم الجماعة!، وشاهدا حيا على مظلوميتها رغم أنها الفاعل الأصلى الذى ارتكب الجريمة، لكنها تلوى عنق الأحداث وتخفى حقائقها وتكذب بلا حدود، كى تؤكد أن الاعتصام الذى استمر لأكثر من 6 أسابيع كان مجرد اعتصام سلمى لا يهدد أمن أحد، باغته الأمن المصرى بضراوة شديدة ودون سابق إنذار ليسقط هذا العدد الكبير من الضحايا «652 قتيلا»!
وبرغم أن الجماعة تكرر هذه الاسطوانة المشروخة مع كل ذكرى سنوية لأحداث رابعة الدامية، لم تصبح رابعة أيقونة فى قلب أى مصري، وإنما أصبحت شاهدا حيا على حماقة جماعة إرهابية أصابها الجنون، عاشت 80 عاما تحلم بأن تسيطر على حكم مصر ومن ورائها العالم العربي، وعندما تحقق لها حلمها الكاذب لم يطق الشعب المصرى صبرا على طغيان حكمها الذى لم يستمر أكثر من عام، بما دفع أكثر من 30 مليون مصرى إلى الخروج إلى كل الميادين فى كل المدن المصرية، يوم 30 يونيو يطالبون بإنهاء حكم المرشد والجماعة فى مشهد تاريخي، لا يُنسي، تعتبره جماعة الإخوان دعوة شيطان رجيم فى يوم تكرهه الجماعة إلى حد إنكار وجوده!..، هل يمكن أن يصدق مصرى واحد هذا الهذيان والتخريف بعد أن ثبت له بما لا يدع المجال لأى شك أن اعتصام رابعة كان مدججا بالسلاح!
أكد ذلك تقرير منظمة حقوق الإنسان الدولية التى أعلنت أنه بينما كان واضحا أن غالبية المعتصمين غير مسلحين أكد شهود العيان وجود متظاهرين مسلحين يوم فض الاعتصام، كما أكدت منظمة العفو الدولية واقعة العثور على ثمانى جثث بالقرب من مكان الاعتصام تم نقلها إلى المشرحة، وأن عمليات تعذيب بعض الضحايا إلى حد القتل كانت تجرى ليلا تحت منصة رابعة من بعض أفراد الجماعة المسلحين بالرشاشات والسكاكين، وتخص شخوصا تشتبه الجماعة فى أنهم جواسيس للأمن اندسوا وسط المعتصمين!، ثم جاءت شهادة أحمد المغير، الكادر الإخوانى المعروف باسم «فتى خيرت الشاطر» فى الذكرى الثالثة لاعتصام رابعة لتؤكد وجود سرية اخوانية مسلحة كانت تعمل فى موقع طيبة مول المجاور لاعتصام رابعة، شاركت فى اطلاق الرصاص على الأمن، فضلا عن أول من سقط قتيلا يوم فض اعتصام رابعة ضابط شرطة كبير كان ينصح المعتصمين من ميكروفون يدوى بالخروج الآمن من مقر الاعتصام حقنا للدماء قبل أن تبدأ عملية فض الاعتصام بدقائق معدودات!
بل ثمة ما يؤكد أن جماعة الإخوان كانت ترتب منذ أول أيام الاعتصام لعمليات عنف متوقعة كما نشرت صحيفة السفير اللبنانية عن زيارة مبكرة لها لموقع اعتصام رابعة، شهدت خلالها إدارة اعلام للاعتصام داخل احدى باحات المسجد يعمل فيها أكثر من 20 كادرا اخوانيا على الحاسبات الالكترونية وإلى جوارها محطة بث مباشر تتبع تليفزيون الجزيرة، ومستشفى ميدانى خارج ساحة المسجد يستوعب 40 سريرا يتناوب عليها أكثر من 20 طبيبا بينهم فريق من الجراحين، ومطبخ ضخم يقدم وجبة افطار من الفول والبيض ووجبة غداء لأكثر من 20 ألف معتصم تتكون من ربع دجاجة وقطعتى لحم وخضراوات مطبوخة، فضلا عن حراس أشداء يلبسون خوذات مسلحة معظمهم يخفى أسلحة نارية فى طى ملابسه!
لم يكن اعتصام رابعة كما تقول الجماعة مجرد تظاهرة سلمية تطالب بعودة مرسى المعزول، ولكنه كان جزءا من خطة شاملة أعدتها الجماعة، بدأ تنفيذها باعتصام رابعة الذى استثمرته الجماعة كقاعدة ارتكاز تنطلق منها التظاهرات المسلحة، تخرج من رابعة بصورة يومية إلى كوبرى 6 أكتوبر وصولا إلى ميدان التحرير، تستخدم أسلحتها الرشاشة ردعا لكل من يعترض طريق المظاهرة ذهابا إلى ميدان التحرير وعودة إلى ميدان رابعة، الذى تحول إلى قاعدة حصينة، خلعت جماعة الإخوان أرصفة الميدان وشوارعه الجانبية وأعمدة الإنارة لبناء جدران وحواجز عازلة تمكنهم من السيطرة على المكان، وتوسيع نطاقه ليشمل قاعة المؤتمرات على الناحية الأخرى من الميدان التى كان يجرى تحويلها لمقر حكومة «مصر الحرة» متى نجحت الجماعة فى تكرار ما حدث فى رابعة والنهضة فى ميادين أخرى تخطط لاحتلالها فى القاهرة وعواصم المحافظات! وتكذب جماعة الإخوان على نحو صارخ وهى تقول الآن، إن فض اعتصام رابعة كان عملا مباغتا، لأن عملية فض الاعتصام كانت خطوة أخيرة فى محاولات متعددة استمرت أسابيع طويلة، بذلتها حكومة د. حازم الببلاوى من أجل إقناع جماعة الإخوان بقبول الحوار والتوافق على تسوية سياسية للأزمة، تفض بموجبها الجماعة اعتصامها سلميا، مقابل اعطاء الجماعة الحرية الكاملة للترشح فى البرلمان هى وكل الأحزاب الاسلامية، والافراج عن محمد مرسى ليعيش مع أسرته خارج البلاد، وهى المفاوضات التى أجراها د. محمد البرادعى نائب رئيس الدولة حينها، ومحمد على بشر القيادى الإخواني، ورغم توافق الجانبين على عناصر المصالحة، أعلنت جماعة الإخوان فى اليوم التالى «النفير العام» رفضا للتسوية السلمية وإصرارا على أن تمضى الجماعة قدما فى مخططها التخريبي!
وأغلب الظن أن الله أراد بمصر خيرا مرتين، الأولى عندما تمكنت جماعة الإخوان من حكم مصر لعام كامل، عرف فيه المصريون حقيقة جماعة الإخوان وأهدافها ومراميها لتسقط عنها هذه الهالة الكاذبة وينكشف جوهرها، والثانية عندما نكصت الجماعة عن اتفاق بشر ـ البرادعي، وضيعت على نفسها فرصة العودة شريكا فى حكم مصر، لها الحق فى أن تدخل مجلس النواب وتشتغل بالعمل السياسى لتعود ربما إلى عاداتها القديمة!
ومع الأسف بدأ «النفير العام» بالهجوم على كنائس الأقباط، حيث رصدت منظمة العفو الدولية حرق وتدمير 43 كنيسة فى كل أنحاء البلاد، اضافة إلى 300 من ممتلكات الأسر القبطية، غير أعمال العدوان البشع التى ارتكبتها الجماعة ضد أقسام الشرطة انتقاما من فض اعتصام رابعة التى بلغت ذروة القبح فى مذبحة كرداسة الشهيرة، التى استخدمت فيها الجماعة مدافع الآر بى جى والبنادق الآلية ليسقط مضرجين بدمائه خمسة ضباط بينهم اثنان برتبة لواء و7 من أمناء الشرطة والأفراد! وما يؤكد أن فض اعتصام رابعة لم يكن مباغتا كما تدعى الجماعة، منشورات الأمن التى ألقتها طائرة هليكوبتر على اعتصام رابعة، تناشد المعتصمين الخروج الآمن من رابعة حقنا للدماء وحفاظا على حياة المصريين، فضلا عن أن موعد فض الاعتصام كان شائعا تناقشه الصحف ويتحدث به المصريون على المقاهي، ولأن الخبر كان قد أصبح يقينا لدى قيادات الجماعة قبل فض الاعتصام بيومين، تم توزيع الأقنعة الواقية من قنابل الغاز المسيل للدموع على المعتصمين، بينما تسللت بليل جميع قيادات الجماعة خارج الاعتصام، وفى مقدمتهم محمد بديع وعصام العريان ومحمد البلتاجى وصفوت حجازى وأسامة ياسين وباسم عودة وطارق الزمر ووجدى غنيم الذين كانوا يديرون اعتصام رابعة إلى أن بلغهم موعد فض الاعتصام، فسارعوا إلى الهرب، تاركين قواعدهم تواجه مخاطر الصدام مع الشرطة والأمن!
ولا غرابة بالمرة فى أن يشيع فى مصر طولا وعرضا موعد فض اعتصامى رابعة والنهضة، لأن فض الاعتصامين يتطلب اتخاذ أقصى درجات اليقظة فى تأمين المنشآت المهمة والحيوية والبنوك والسفارات الأجنبية والأماكن السياحية والمتنزهات والشواطئ والمناطق الأثرية ومحطات مترو الأنفاق بالقاهرة الكبرى ومواقف النقل العام ونشر وحدات الانتشار السريع على كل محاور الطرق والميادين، فضلا عن تشديد الحراسة على المنافذ الحدودية، مما أشاع موعد فض الاعتصام، خاصة أن حكومة الببلاوى آثرت أن تتم عملية فض الاعتصام فى حضور المراسلين ووكالات الأنباء وممثلى منظمات حقوق الإنسان تأكيدا على الشفافية.
وفى الحقيقة، فإنه لم يكن أمام حكومة د. الببلاوي، بعد رفض جماعة الإخوان كل حلول التسوية السلمية، سوى المفاضلة بين السيئ والأسوأ، لأن السيئ بالفعل هو الإقدام على فض الاعتصام بالقوة التى يمكن أن تؤدى إلى عدد قليل من الضحايا مهما تكن الخطوات الاحترازية التى تلتزم بها قوات فض الاعتصام لتقليل عدد الضحايا إلى حدها الأدني، أما الأسوأ فيتمثل فى المخاطر الجسيمة التى يمكن أن يتعرض لها الأمن الوطنى إذا ما طال أمد الاعتصام إلى ما يجاوز 50 يوما، خاصة أن جماعة الإخوان حولت الاعتصام إلى عمل مأجور، تدفع فيه 50 جنيها لكل فرد إضافة إلى وجبات الغذاء ومصاريف النقل، بما أحال اعتصام رابعة إلى نوع من الارتزاق، يجذب الآلاف الذين يجيئون زرافات من الأقاليم، يتدفقون بالسيارات والأتوبيسات وعربات النقل وقطارات السكك الحديدية كل يوم أمام أبواب رابعة، ليستمع هذا السيل من العوام إلى تخاريف الشيخ محمد عبد المقصود، وهو يؤكد لهم أن الملائكة ترفرف بأجنحتها على المعتصمين فى رابعة تحميهم من سيارات الأمن المركزى ومدرعات الشرطة وطائرات الهليكوبتر. ومع الأسف، لم تفلح النداءات الكثيرة المتكررة فى إقناع المعتصمين بالاحتكام إلى العقل وتغليب مصلحة الوطن وحقن دماء الجميع، وكان رد فعل جماعة الإخوان المزيد من العمل لتحصين مواقع الاعتصام وإقامة الحواجز والمتاريس والإصرار على العناد، بينما تتوالى على النيابة العامة كل يوم بلاغات المئات من سكان رابعة، تحذر من وجود أسلحة داخل مخيمات المعتصمين يرونها من شرفات منازلهم العلوية، وتتضرر من أن حياتهم تحولت إلى جحيم بسبب الاعتصام، وأن أطفالهم لم ينزلوا إلى الشارع منذ أكثر من شهر، وأن المعتصمين يحتلون مداخل العمارات ويتبولون فيها، مما أدى إلى انبعاث روائح كريهة لا يستطيعون تحملها، إضافة إلى أن أعضاء الجماعة يصرون على تفتيش السكان يوميا عند الدخول والخروج! وأخبث ما تقوم به جماعة الإخوان فى احتفالها السنوى بأحداث رابعة هو اقتطاع مشهد فض الاعتصام عن مجمل الأحداث التى طرأت على مصر منذ أن تولى محمد مرسى حكم البلاد فى يونيو عام 2012 إلى تظاهرات 30 يونيو عام 2013، بما فى ذلك حصار المحكمة الدستورية وإغلاق المحاكم بالجنازير لتعطيل العدالة، وإحراق أقسام الشرطة وإطلاق البلطجية والمجرمين لترويع الناس، والاستيلاء على مفاصل الدولة، وصدور الإعلان الدستورى الذى يحصن قرارات مرسى من المراجعة القضائية فى الماضى والحاضر والمستقبل، بما يجعل منه طاغوتا مستبدا، رغم أنه عندما رشح نفسه لمنصب الرئيس كان مجرد «استبن» لخيرت الشاطر الفاعل الأول فى كل جرائم جماعة الإخوان، وظهور حركة تمرد التى نجحت فى جمع توقيعات 22 مليون مصرى يرفضون حكم الجماعة والمرشد وخروج أكثر من 30 مليون مصرى فى تظاهرة ضخمة تخلع صورها القلوب، ومع ذلك تتحدث جماعة الإخوان عن اعتصام رابعة وكأنه أيقونة فخار، رغم أحداثه المأساوية التى كان الفاعل الأصلى لها جماعة الإخوان، لأنها أغلقت الباب أمام كل فرص التسوية السلمية، وكانت أول من أطلق الرصاص فى رابعة لتردى ضابط شرطة قتيلا وسط الاعتصام، وهو يناشد ـ عبر ميكروفونه اليدوى المعتصمين الخروج الآمن حقنا لدماء المصريين!