بقلم - مكرم محمد أحمد
على هامش احتفالات السعودية بقرار الجامعة العربية اعتبار الرياض عاصمة للإعلام العربي، اجتمع وزراء الإعلام العرب يناقشون عددا من المقترحات التى تهدف إلى الارتقاء بأدوات الإعلام العربي، الصحافة والإذاعة والشاشات، بما يضمن توحيد منطلقاتها المهنية وتكريس جهودها لخدمة المواطن والوفاء بحقه فى خدمة إعلامية راقية ذات نفع وجودة، وتحقيق الصالح العربى العام، وتعزيز الحكم الرشيد، ومساعدة الدولة الوطنية على تحقيق أهدافها فى الحفاظ على الأمن والاستقرار، فى مواجهة مخاطر العنف والإرهاب والتطرف وبقايا الانقسام والتمزق, ومحاولات تزييف الوعى العام, فضلا عن تدخلات قوى الخارج وتهديداتها وابتزازها.
شملت مقترحات وزراء الاعلام العرب ضرورة التوافق على عدد من التشريعات الموحدة المهمة التى بات ضرورياً الأخذ بها، لأن مالا يذع بالقرآن يذع بالسلطان، على سبيل المثال، أهمية تنظيم الإعلام الإلكترونى رغم غياب التعريف الصحيح المانع الجامع لمعنى الإعلام الإلكترونى وهل يدخل فيه المدونون أم يكون مقصورا على الصحف الإلكترونية، وضرورة ضبط وسائل التواصل الhجتماعى التى تخلط بين الخبر والشائعة وتقوم فى المعظم على أخبار مُجهلة غير معلومة المصدر وتعطى لأحاد الناس الحق فى نشر أخبار وآراء لم يتم التأكد من صحتها، أو تقنين حدود الحرية والمسئولية رغم مخاطر التعريفات الواسعة المطاطة، لكن غالبية وزراء الإعلام كانوا فى صف ضرورة إصدار ميثاق شرف عربى موحد، يضمن المهنية التى تعنى بآداب المهنة وأصولها المرعية، وتضمن مصداقية الكلمة وتدقيق صحتها، وحيدة الرأي، وحق الاختلاف والتنوع كما تضمن نبذ العنف وعدم الترويج للتطرف والإرهاب، والفصل بين السياسة والدين، ونبذ كل صور التمييز بسبب الجنس أو النوع أو اللون أو الدين.
وليس لى اعتراض بالمرة على ميثاق شرف عربى يلتزم به الجميع، لكن ميثاق الشرف ينبغى بالضرورة أن يكون عملاً مهنياً طوعياً ينبع من داخل المهنة، لأنه يقوم على الالتزام الطوعي، ويحتكم إلى ضمير المهنة وآدابها وذوقها العام، ومن المهم ألا يكون ميثاق الشرف عملاً حكومياً تقوم به السلطة التنفيذية مهما يكن درجة رشادها، لأن الميثاق يفقد قيمته وجدواه وقوته الأدبية إن شابه نوع من الالتزام الحكومي، وأظن أنه كان للجامعة العربية تجربة سابقة طواها النسيان، لأنها لم تنجح فى أن يصدر وزراء الإعلام العرب ميثاق شرف يفرضونه على الجميع وقد عارضته دولتان ولم يتحمس له أى من الصحفيين، فضلاً عن أن الميثاق هو بالضرورة عمل النقابات المنتخبة، لأن النقابات هى التى تقوم على تنفيذه وهى التى تتولى مسئولية الجزاء، صحيح أنها تستعين بعناصر قضائية فى تحديد مخالفات الخروج على أصول المهنة وتقاليدها، لكن تطبيق مواثيق الشرف هو عمل طوعى تقوم به النقابات والاتحادات والجماعات التى تمثل مجتمعاتها المهنية والعمالية، وغاية ما تستطيعه الجامعة العربية فى هذا الشأن أن تنشئ مثالاً أو نموذجاً يحاكيه أصحاب الاختصاص الأصلي، ولا يتعارض ذلك بالمرة مع حق أى مؤسسة إعلامية أو غير إعلامية فى أن يكون لها مدونة سلوك تقنن إجراءاتها المهنية بما يضمن عدم الخروج عن قواعدها المرعية، غير أن المفارقة المهمة التى تعانيها بعض النقابات والاتحادات هى مدى تأثير الانتخابات على مواقف أعضاء النقابة أو الاتحاد المسئولين عن تطبيق الميثاق، والتى ربما تدفع البعض إلى التقاعس عن تطبيق القواعد حرصاً على أصوات الناخبين، لكن العديد من النقابات وجدت الحل الصحيح فى انتخاب الأعضاء المسئولين عن لجان التأديب باعتبارهم أعضاء مسئولين عن التأديب يتم اختبارهم لهذا الهدف وحده.
ولا أظن أن فكرة إصدار ميثاق موحد فكرة صائبة يمكن إحياؤها مرة ثانية، فضلاً عن أن معظم نقابات الصحفيين والإعلاميين لها مواثيقها وليس هناك ما يبرر تكرار الجهد مرة أخري، ومع تقديرى الكامل واحترامى الشديد لكل الآراء التى تمت مناقشتها داخل اجتماعات وزراء الإعلام العرب وجميعها مُثمر وبناء، لأنها صدرت عن نخبة مهمة لها تجاربها العامة والخاصة، إلا أن المطلوب بالفعل بالإضافة إلى مواثيق الشرف إن كانت غير موجودة، إعلان عام بعدد من المباديء الأساسية يُلزم الحكومات كما يُلزم مؤسسات الإعلام حال وقوع خلاف عربى الالتزام بعدد من الشروط الأساسية تمنع البغى على حقوق الطرف الآخر، وتضمن حصار الخلاف وتضييق نطاقه بحيث يمتنع المساس بمصالح الناس ويمتنع المساس بالشعوب، ويمتنع المساس بالأعراض، ويتوقف تماماً السب والقذف والخلط السيئ بين الخلافات السياسية التى يُمكن أن تكون عابرة ومؤقتة والاعتبارات الاقتصادية التى تمس مصالح الشعوب، مطلوب أيضاً من إعلان المبادئ وضع الخطوط الحمراء التى تلتزم بها الحكومات وتلتزم بها مؤسسات الإعلام، وإذا كان مطلوباً من مؤسسات الإعلام نبذ الدعوة إلى العنف والتطرف ورفض أفكار الإرهاب، واستخدام الدين فى السياسة يصبح من المبادئ الأساسية التى ينبغى أن تلتزم بها الحكومات العربية الامتناع عن أى عمل تخريبى يستهدف شعباً عربياً، وعدم إعطاء جماعات الإرهاب ملاذات آمنة أو تمكينها من الوصول إلى أى بلد عربى بقصد التخريب، وإخضاع أى حكومة يثبت قيامها بهذا الجرم لعقوبات رادعة واضحة ومُلزمة، ودعونا نتساءل بصراحة، من الذى سوف يُعاقب هؤلاء الذين دمروا مصالح شعوب بأكملها باسم ربيع عربى كاذب، ثبت للجميع أنه مجرد خطة تخريب وتآمر حملت عناوين كاذبة، وفى هذا الإطار ينبغى أن يتم تجريم كل دعاوى تصدير الثورة, فالثورة لا يتم تصديرها وإذا حدث ذلك تُصبح فى الحقيقة عدواناً يتستر تحت شعار الثورة، فضلاً عن أن تصدير الثورة يضرب فى الصميم أحد المبادئ السياسية والأخلاقية التى تم تكريسها بعد تجارب مريرة، وهو مبدأ عدم التدخل فى الشأن الداخلى لأى من الدول الشقيقة وللدول كافة، لأنه تحت شعارات تصدير الثورة وتحت مسميات الربيع العربي، سمحت قطر لنفسها بأن تدمر حياة شعوب بأكملها فى سوريا وليبيا والعراق، وهكذا فعلت إيران وتركيا القوتان الإقليميتان اللتان سمحتا لنفسيهما بالتغول والعدوان على مصالح عدد من شعوب عالمنا العربى فى فترة ضعف وفوضى استثمرتها قوى دولية عديدة، بما أدى إلى تدمير مناطق واسعة وتهجير سكانها فى موجات متلاحقة تدق أبواب أوروبا طلباً للهجرة. ومثلما يضع إعلان المبادئ بعض الخطوط الحمراء التى لا ينبغى تجاوزها، ينطوى الإعلان بالضرورة على عدد من القضايا التى يصل الالتزام بها إلى حدود الواجب الذى لا ينبغى لأى من الحكومات أو مؤسسات الإعلام التنصل منها أو التقاعس عن القيام بها، بينها الالتزام الصارم بعدم إهانة إنسانية الإنسان واحترام حقوقه، واحترام حرية الرأى والتعبير متى التزمت حدود الشرعية القانونية، ورفض صراع الأديان والعقائد، لأن جميع الأديان تحض على الخير والحق والجمال، وعدم إقصاء الآخر وقبوله وحسن التعايش معه، لأن ذلك يحقق أول مبادئ العدالة والقانون.
فالناس أمام القانون ينبغى أن يكونوا سواسية كأسنان المشط، ومن الضرورى أن يُصاحب ذلك إعلان واضح بالحق فى تداول المعلومات من مصادرها الصحيحة وتأكيد التزام الحكومات العربية وقبلها جميع وسائل الإعلام وأدواته بأهمية انسياب المعلومات فى قانون واضح يؤكد مبدأ الشفافية والإفصاح، لأن غياب المعلومات يعنى تغييب المواطن وإضعاف جاهزيته وإغلاق الأبواب فى وجه حقه الأصيل فى المشاركة، ولو أن الحكومات العربية أتاحت الفرصة لحرية الرأى والتعبير فى حدود الشرعية القانونية، وسمحت بتداول المعلومات فى إطار قانون يبيح ولا يمنع يعطى المعلومات المتاحة فى الزمن الصحيح لمن يطلبها إذا لم تكن من أسرار الدولة، ويعاقب من يمنعها، ويتيح كشف حوادث التاريخ المهمة بعد فترة زمنية كى يعرف الناس دروسها المستفادة لتغير الكثير من طباع الإنسان العربي، ويصبح أكثر حماساً للمشاركة خاصة أن توسيع المشاركة يمثل نوعاً من الرقابة الشعبية التى باتت ضرورية لسلامة مسيرة المجتمع المدني، لأن الحكومات لم تعد قادرة على أن تنهض بكل المهام المطلوبة. وتبقى مشكلة أدوات الاتصال الجماعى التى زاعت وانتشرت وأصبحت أكثر فاعلية وتأثيراً من بعض الصحف، إلى حد أن الرئيس الأمريكى يؤثر استخدامها ويعتبرها وسيلته المفضلة للوصول إلى الناس بدلاً من الصحف والشاشات التى يمكن أن تلون أخباره، وتلعب وسائل الاتصال الجماعى دوراً مهماً فى تشكيل الرأى العام للشباب إلى حد يغنيه عن القراءة، فضلاً عن دورها فى حشد الشباب وتعبئته وتحريكه. وتخلص مشكلة أدوات الاتصال الجماهيرى فى أنها تذيع على الملأ حصادها دون تدقيق، وتخلط بين الخبر والشائعة والخبر والرأي، وتتهم وتدين دون أى دليل، ويُحسن استخدامها منظمات الإرهاب وقد كانت فى فترة ما السلاح الأساسى لداعش وهى سلاح ذو حدين يمكن أن يكون مُدمراً ومن الصعوبة بمكان حجبه أو شطبه، لأنه يستطيع معاودة الظهور، ويُشكل حتى الآن مشكلة تستعصى على الحل رغم أن بعض الدول الأوروبية تفرض غرامات باهظة على بعض مواقع التواصل الاجتماعي، ولا أعتقد أن الغلق والمنع يمكن أن يكون الحل الصحيح للمشكلة، ويفضل البعض الاشتباك مع هذه المواقع والتفاعل معها سلباً أو إيجاباً، ولهذا السبب نشهد اليوم كتائب يتم إعدادها لهذه الاشتباكات وكتائب مضادة للرد على مواقع مناهضة، وتسعى بعض الدول إلى تحصين نفسها من المخاطر المحتملة لأدوات الاتصال الجماعى من خلال قوانين جديدة، وفى اجتماع وزراء الإعلام العرب فى الرياض، طالبت الكويت ومعها عدد من الدول العربية باستصدار تشريعات عربية موحدة لمواقع التواصل الاجتماعى تُنظم ظهور هذه المواقع وتسمح بالتعامل معها سلباً أو إيجاباً بدلاً من حجبها ومنعها.