بقلم : مكرم محمد أحمد
الجميع يبكى الآن احتراق حلب أكبر المدن السورية وأجملها رغم أن الجميع شاركوا فى حرق المدينة التى يقسمها منذ أعوام الحكم والمعارضة المسلحة التى تسيطر على الشق الشرقى من المدينة، بينما تسيطر القوات السورية على نصفها الغربى، والحق أن الطرفين، الحكم والمعارضة قاما بواجبهما فى تدمير المدينة على النحو الأكمل، التى تهدمت شوارعها وأزقتها وعمائرها ودورها، ونهبت أسواقها ومتاجرها، وتم قصف معظم مستشفياتها فى عدوان بشع بالصواريخ، طال المرضى والأطباء حتى إنه لم يعد فى حلب طبيب أطفال واحد. وهرب مئات الالآف من سكانها إلى الحدود التركية التى أغلقها الرئيس التركى رجب طيب اردوغان فى تعاقد مشبوه مع الاتحاد الأوروبى مقابل ثلاثة مليارات يورو على حين يعانى من تبقى فى المدينة من الجوع والحرمان والعطش.
وبرغم أن الروس والأمريكيين توصلا إلى هدنة صمت بدأ تنفيذها قبل اسبوعين تغطى منطقتى اللاذقية وغوطة دمشط الشرقية، إلا أن حلب ظلت خارج نطاق هدنة الصمت لأكثر من أسبوع، تبادل خلالها المعارضة والحكم القصف المدفعى والصاروخى لأحياء المدينة إلى أن أعلن الجانبان الأمريكى والروسى أن حلب أصبحت فى نطاق الهدنة الجديدة وايضا اتفقا على إنشاء مرصد مشترك فى جنيف مهمته مراقبة وقف إطلاق النار فى المدينة.
وهكذا يدير الأمريكيون والروس الأزمة السورية «بالقطاعى» وفق حسابات تخصهما لاتشارك فيها الأطراف الإقليمية إلا بمقدار، بينما تضاءل دور الحكم والمعارضة السورية إلى مستوى ثانوى!، ويعول الأمريكيون كثيرا على قدرة الروس على تطويع ارادة الرئيس بشار الأسد كى يفى بالتزاماته تجاه الهدنة الجديدة ويسمح بمرور قوافل الاغاثة إلى المناطق المحاصرة، ومع الأسف يتضاءل أيضا دور مجموعة الدول التى تسمى نفسها (أصدقاء سوريا) إلى حدود هامشية، لاتمكنها من فرض خطة سلام واضحة تضمن إنهاء الحرب الأهلية السورية فى إطار برنامج زمنى محدد كى تظل مفاتيح الحل والربط فقط فى أيدى الروس والأمريكيين.
وأغلب الظن أن المبعوث الأممى دى ميستورا سوف يدعو قريبا الحكم والمعارضة إلى جولة ثالثة من مباحثات جنيف تتعلق بطبيعة المرحلة الانتقالية وعناصرها الأساسية التى تتمثل فى حكومة مشتركة واسعة الاختصاص ودستور جديد وانتخابات برلمانية ورئاسية تجرى تحت اشراف الأمم المتحدة، وإلى أن يتحقق ذلك سوف تستمر عملية سفك دماء السوريين بالجملة حتى صدور إشعار آخر!.