بقلم : مكرم محمد آحمد
القمم المتعاقبة الثلاث التى تعقد فى رحاب الحرم المكى الشريف، ورأسها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، القمة الإسلامية التى دعا إلى حضورها 57 دولة، أكدوا حضورهم جميعاً وفى الغالب على مستوى الرؤساء والملوك، والقمة العربية التى شهدها الرئيس المصرى عبدالفتاح السيسي، وقمة الدول الخليجية بمن فى ذلك الأمير تميم أمير قطر، شهدت القمم الثلاث حضوراً حاشداً عكس حجم المساندة السياسية القوية من جانب الجميع لمواقف وسياسات المملكة إزاء الأزمة الإيرانية والتهديدات المتتابعة من جانب طهران ووكلائها الحوثيين فى اليمن، وحزب الله فى لبنان، والقوات الإيرانية والحرس الثورى الإيرانى فى سوريا، كما أكد هذا الحضور الحاشد حق السعودية فى صون أمنها والحفاظ على استقرار المنطقة، وضمان حرية الملاحة فى مضيق هرمز وباب المندب، والتصدى لجماعات الإرهاب التى تمارس العديد من صور التخريب الإرهابى التى تعوق حرية التجارة الدولية، وطالبت القمم الثلاث فى إعلانها المهم الذى صدر أمس إيران بوقف تدخلها فى الشأن العربي، وتوقف عملائها الذين يمدون نفوذهم عبر أربع دول عربية، اليمن ولبنان وسوريا والعراق عن الإضرار بمصالح الأمن العربي، كما دعت المجتمع الدولى والأمم المتحدة وجميع شعوب العالم المحبة للسلام إلى ممارسة كل الضغوط الممكنة على إيران ووكلائها وعملائها لإلزام طهران باحترام الشرعية والقانون الدولي.
لم تذهب القمم الثلاث إلى أى إجراءات محددة ومباشرة، وركزت كل مواقفها على الدعم السياسى للسعودية فى مواجهة تهديدات إيران ووكلائها، لأن السعودية لم تطلب أكثر من ذلك، ولأن المجتمعين فى القمم الثلاث لا يريدون توسيع دوائر التوتر، ولا يدعون إلى حرب إيران، كما أنهم يرفضون بصورة مطلقة تصوير المشكلة على أنها صراع بين السُنة والشيعة، على العكس كان ثمة حرص واضح فى أعمال القمم الثلاث على رفض هذا التوجه حرصاً على وحدة الموقف الإسلامي، لكن القمم الثلاث عبرت بوضوح بالغ عن رفضها النزعة التوسعية الفارسية التى حكمت سياسات طهران خلال فترة حكم الشاه وإمتدت صورة النزعة وكبرت مع حكم آيات الله الذين تصوروا أنهم يقدرون على إخفاء هذه النزعة تحت شعارات تصدير الثورة التى كانت ولا تزال جزءاً جوهرياً من سياسات طهران لتبرير تدخلها فى شئون الآخرين!.
وخلاصة القول أن القمم الثلاث التزمت فى قراراتها وإعلانها الحد الأدنى المتمثل فى الدعم السياسى الواضح لمواقف السعودية من الأزمة، رغم أن الرأى العام العربى والإسلامى كان يذهب فى أغلبه إلى ضرورة أن يصدر عن القمم الثلاث تأييد واضح لحق العرب فى تعزيز قوتهم العربية المشتركة كى يصبح للأمن العربى أنياب ومخالب تحافظ على الحد الأدنى بشروطه، وتخفف الاعتماد على الآخرين الذين يعتبرون الأمن سلعة للبيع .
والأمر المؤكد أن انعقاد القمم الثلاث فى رحاب الحرم المكى الشريف مثل ضرورة حياة وكرامة للعرب والسعودية، خاصة بعد التطور المفاجئ الذى طرأ على موقف الولايات المتحدة ورئيسها ترامب فى رحلته الأخيرة لليابان، التى أعلن فيها أن إيران تريد الحوار ولا تريد الحرب، وأن الولايات المتحدة شأنها شأن إيران تريد الحوار ولا تريد الحرب، مؤكداً ثقته فى الجمهورية الإسلامية التى يمكن أن تتبوأ مكانة عليا بين الأمم بقياداتها الحالية! مُعلناً أن واشنطن لا ترغب ولا تريد ولا تخطط لتغيير حكم آيات الله، مسبغاً على الجمهورية الإسلامية الإيرانية جزالة وكرم صفات تتناقض مع سياسات التهديد وتصدير الثورة التى يتبعها آيات الله.
وربما يكون من حق الرئيس ترامب أن يختار السياسات التى تناسب مصالح بلاده، لكن الانتقال المفاجيء من النقيض إلى النقيض يلزم العرب المزيد من اليقظة والحذر خاصة بعد أن اعتبر ترامب الأمن سلعة للشراء، وما يزيد الموقف سوءاً أن ترامب لم يكلف نفسه التشاور مع أى من الأطراف العربية قبل أن يأخذ قراره الأخير.
والأنكى من ذلك ما نسمعه الآن من جواد ظريف وزير خارجية طهران من أن طهران لا تريد المساس بالأمن العربى وتريد علاقات جوار وسلام مع الأشقاء العرب وهو كلام يشكل جزءاً من الدعاية الإيرانية، لم يترجم نفسه فى أى نوايا حسنة أو إجراءات مقبولة، ولم يصل حتى إلى مسامع السعودية أو أى دولة عربية، وإنما الذى وصل بوضوح قاطع عمليات التخريب التى تمت للسفن والناقلات العربية أمام ساحل الفجيرة، كما تصل صواريخ الحوثيين إلى الرياض ومكة، وكما تصل تهديدات الحرس الثورى الإيرانى بإغلاق مضيق هرمز إلى أسماع الجميع، ولا يعنى ذلك أن العرب يرفضون السلام مع إيران، على العكس هذا ما يريده العرب مصداقاً لأخوة الدين، لكن السلام يتطلب حسن النوايا، ووقف أعمال الحوثيين وصواريخهم والكف عن تهديد حرية الملاحة فى مضيق هرمز، لكن الواضح أن الإيرانيين مستمرون فى المراوغة بحجة أن الوقت ليس ملائماً للتفاوض! ولو أن الإيرانيين يريدون حقاً علاقات سلام وجيرة طيبة مع العرب فعليهم أن يتحدثوا مباشرة إلى العرب وأن يظهروا بعض النوايا الحسنة، ولو بالعمل على وقف حرب اليمن لدواع إنسانية تتعلق بالشعب اليمنى الذى يعانى الفقر والجوع والمرض وانتشار الأوبئة، وبدلاً من أن تمد طهران يد العون تمد الحوثيين بآلاف الصواريخ كى يمارسوا عدوانهم على السعودية.
وقبل يومين اثنين أعلن وزير خارجية العراق وفى حضور نظيره الإيرانى الذى كان يزور بغداد أن العراق يمكن أن يلعب دور الوسيط بين إيران والولايات المتحدة وبين إيران والعرب من أجل تخفيف حدة التوتر. وجاء رد المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية صريحاً واضحاً أن طهران لا ترى أى فرصة للتفاوض، والمدهش أن تأتى هذه التصريحات بعد يوم من تصريحات الرئيس الأمريكى ترامب التى تحدث فيها عن إمكانية التوصل إلى اتفاق مع إيران حتى بشأن برنامجها النووي! وقال عباس موسوى بوضوح قاطع: نحن لا نرى مجالاً لأى مفاوضات مع الولايات المتحدة! وللأسف ليس صحيحاً ما أعلنه جواد ظريف أخيراً من أن إيران تريد أفضل العلاقات مع دول الخليج، وترحب بجميع مقترحات الحوار وخفض التوتر وأنها تعرض على دول الخليج توقيع معاهدة عدم اعتداء، وأظن أن مصدراً مسئولاً فى الخارجية الكويتية قد أكد أخيراً أن إيران لم تعرض على دول الخليج توقيع معاهدة عدم اعتداء متبادل! وعلى حد تعبير صحيفة اليوم السعودية لا تزال إيران تلجأ إلى الكذب والمراوغة وبدلاً من الإعلان الصريح عن نيتها التوقف نهائياً عن دعم التنظيمات الإرهابية فى كل مكان، ووقف اعتداءاتها الصارخة على السفن التجارية ومضخات النفط السعودية، ووقف هجومها المتكرر بالصواريخ على السعودية من اليمن، والتوقف عن ممارسة تجاوزاتها التى أدت إلى التجييش العسكرى فى المنطقة ضدها، تطالب طهران فقط برفع العقوبات دون أى التزام بوقف ممارساتها العدوانية ضد الأمن العربي، وضد استقرار المنطقة.
بل لعل من الحكمة ومن المفيد أيضاً الآن، أن يغير الأوروبيون بعض سياساتهم التى تبدو داعمة لطهران وتظهر أوروبا فى صورة المتعاطف مع نظام إرهابي، وتمارس بعض الضغوط على إيران لإجبارها على التخلى عن تطلعاتها التوسعية فى الشرق الأوسط ورعايتها للإرهاب، خاصة أن نظام ولاية الفقيه المسيطر على السلطة فى إيران ويحكمها منذ 40 عاماً يصعد من مستوى تهديداته الإرهابية فى النطاقين الإقليمى والدولى بواسطة ميليشيات عسكرية تقاتل لصالحه بالوكالة فى عدد من البلدان المجاورة، والواضح أخيراً أن إيران أمضت فى نهج تصدير الفوضى ودعم الجماعات الإرهابية علناً وسراً عقب استحواذ نظام الخمينى على السلطة وهو الأمر الذى لا يزال مستمراً تحت شعارات تصدير الثورة والغاية تُبرر الوسيلة التى تستخدمها طهران لدعم نشاطها الإرهابي.