بقلم - مكرم محمد أحمد
خسر داعش آخر مواقعه فى سوريا تحت حصار قوات سوريا الديمقراطية المشكلة أساساً من الأكراد السوريين حلفاء الولايات المتحدة، بعد معارك شرسة استمرت أكثر من أسبوع فى قرية باجوز شمال شرق سوريا، وجرى خلال مرحلة اقتحام القرية تفجير لعشرات من المبانى والسيارات المفخخة، وشارك فى المعركة إلى جوار داعش المئات من المقاتلين الأجانب من أصول إسلامية القادمين من بريطانيا وفرنسا وكندا وكل دول أوروبا، حاربوا بشراسة فى شوارع القرية وأنفاقها العديدة تحت الأرض، لأنه لم يعد أمامهم خيار آخر بعد أن أحكمت قوات سوريا الديمقراطية حصارها للقرية سوى الاستسلام أو الدفاع عن مواقعهم حتى الموت..، وعلى امتداد الأسبوعين الماضيين غادر باجوز الآلاف من المقاتلين الأجانب والمئات من أسرهم الذين تعرضوا لوابل من نيران داعش للإبقاء عليهم داخل القرية دروعاً بشرية ورهائن تحت الطلب، وتجرى الآن الاستعدادات للاحتفال بهزيمة داعش وسقوط آخر مواقعه فى سوريا، وسط مخاوف متصاعدة من حجم الفراغ الذى يمكن أن ينشأ نتيجة انسحاب القوات الأمريكية الذى يمكن أن يتم فى غضون الأسابيع القليلة المقبلة، وفقاً لتصريحات قائد القوات الأمريكية فى الشرق الأوسط الذى حذر من إمكانية أن يستعيد داعش قدرته على القيام بهجمات فى سوريا فى غضون فترة زمنية تتراوح بين 6 أشهر وعام إذا خفت الضغوط على تنظيم داعش.
وفى منتجع سوتشى على البحر الأسود اجتمع الرئيس الروسى بوتين مع الرئيس الإيرانى حسن روحانى والتركى رجب أردوغان، من أجل تنسيق جديد داخل سوريا، وتجنب فراغ القوة الذى يمكن أن ينشأ عن انسحاب القوات الأمريكية والنظر فى مستقبل الصراع والتسوية السياسية فى سوريا بعد هزيمة داعش وانسحاب القوات الأمريكية، وأكد الرؤساء الثلاثة فى بيان أعقب اجتماعهم أن انسحاب القوات الأمريكية يمكن أن يؤدى إلى استقرار هذا الجزء من الأراضى السورية، وأن فراغ القوة يمكن أن يغرى داعش بالعودة إلى الأراضى السورية ما لم يتفق الرؤساء الثلاثة على مطاردة جماعات الإرهاب، ورغم أن إيران وروسيا يريان ضرورة عودة هذه المناطق إلى سيطرة الحكومة السورية الشرعية، فإن تركيا تصر على وجود منطقة عازلة فى الأراضى السورية على حدود تركيا للفصل بين قوات الجيش التركى وأكراد سوريا الذين يعتبرهم أردوغان جماعات إرهابية ترتبط بعلاقات عضوية مع حزب العمال الكردستانى المصنف جماعة إرهابية، وتعتبره أنقرة خطراً على أمن تركيا، ويبدو أن اجتماع سوتشى لم يضع فى حسابه المصالح المختلفة والمتناقضة بين الأطراف الثلاثة على الساحة السورية، لأن روسيا وإيران يشكلان دعماً قوياً لنظام بشار الأسد، على حين يعتقد أردوغان أن مهمته الأساسية فى سوريا هى مراقبة الأكراد السوريين عن قرب لأن تركيا تعتبرهم خطراً على أمنها، ورغم توافق القادة الثلاثة على ضرورة وجود خطة شاملة لما بعد الحرب السورية، فإنهم مختلفون حول طبيعة هذه الخطة وأهدافها، بل ومختلفون حول طبيعة التسوية السياسية للأزمة السورية، ومع ذلك بحث الرؤساء الثلاثة الأوضاع فى محافظة إدلب حيث يفضلون تسوية مشكلة إدلب على نحو سياسى تفادياً لكارثة إنسانية ضخمة يمكن أن تنشأ عن الحل العسكري، ولهذا كان اتفاقهم فى سوتشى على تقليل حجم الخروقات لاتفاق وقف إطلاق النار فى إدلب والعمل على منعها، ورغم شكوك الروس المتزايدة فى مدى جدية الانسحاب الأمريكى من سوريا، فإن الواضح لكل العيان أن الولايات المتحدة سوف تسحب قواتها من سوريا التى تتمثل فى وجود ألفين من الضباط والجنود فى غضون الأيام المقبلة، وأن روسيا التى تملك قاعدة بحرية فى ميناء طرطوس السورى وقاعدة جوية فى منطقة حميميم موجودة بقوة فى شرق المتوسط، تصر على أن إقامة المنطقة العازلة لابد أن يتم باتفاق مع الرئيس بشار الأسد يحدد طبيعة عمل هذه المنطقة وشروطها، والواضح أن القادة الثلاثة لم يتمكنوا خلال اجتماع سوتشى من تسوية جميع خلافاتهم، وربما لهذا السبب كان اتفاقهم على أن يلتقوا مرة ثانية فى تركيا فى أبريل المقبل.