بقلم - مكرم محمد أحمد
فى عالم متغير ربما يكون قد خرج من دائرة الاستقطاب والمواجهة إلى دائرة التجمعات الاقتصادية المتعددة، تبحث عن توافق مصالحها عوضا عن خلافاتها الأيديولوجية، لكنه لا يزال يعانى حربا تجارية ضروسا تعددت أطرافها، تكاد تبلغ ذروتها فى الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، ويواجه منشقاً أزمات تغيرات المناخ فى عواصف وفيضانات عاتية أو موجات جفاف قاتل أضحت أهم الظاهرات والمخاطر الكونية التى يمكن أن تؤثر على مصير كوكبنا الأرضي، كما يعانى عالمنا غياب القانون الدولي، ومخاطر ومحاولات التصفية غير العادلة لقضية الشعب الفلسطينى التى تمثل آخر صور الاحتلال العنصرى فى القرن الثانى والعشرين، فضلا عن افتقاد توازن المصالح بين الجنوب والشمال، فى هذا المناخ الدولى تجتمع الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا العام فى دورتها الـ73 بحضور أكثر من مائة رئيس دولة، بينهم رئيس مصر عبدالفتاح السيسى ورئيس الولايات المتحدة ترامب، ورؤساء الصين وفرنسا وتركيا وعدد من الدول الأوروبية والآسيوية والإفريقية يناقشون على مدى ستة أيام مشكلات العالم السياسية.
وتشمل أجندة اجتماعات الجمعية العامة هذا العام عددا من الأحداث المهمة رفيعة المستوي، أبرزها (قمة نيلسون مانديلا للسلام) احتفالا بالذكرى المئوية للزعيم الفريقي، ويشمل نشاط الرئيس عبدالفتاح السيسى رئاسة مجموعة الـ77 والصين التى ترأسها مصر للمرة الثالثة هذه الدورة. ويتضمن برنامج الرئيس السيسى عدداً من اللقاءات المكثفة مع عدد من رؤساء الدول والحكومات لتبادل الرؤى حول تطورات القضايا الدولية والإقليمية، وتعزيز العلاقات الثنائية فى شتى المجالات، كما تتضمن زيارة نيويورك نشاطا مكثفا على صعيد العلاقات المصرية الأمريكية يشمل لقاء القمة مع الرئيس ترامب، وعدد من الإجتماعات مع وزراء الولايات المتحدة وأعضاء الكونجرس وقيادات كبريات الشركات الأمريكية وبيوت المال وأعضاء غرفة التجارة الأمريكية، حيث يجرى الرئيس حوارات مفتوحة حول سبل تعزيز العلاقات الإستراتيجية بين البلدين، وتطورات الإصلاح الاقتصادى فى مصر وتشجيع الاستثمار ومستجدات المشروعات التنموية العملاقة والدور المتنامى للقطاع الخاص، كما يلقى الرئيس بيان مصر أمام الجمعية العامة الذى سيكون مركزا يلقى الضوء على رؤية مصر لتعزيز دور الأمم المتحدة وإصلاح هياكلها، وكذا المواقف المصرية تجاه مجمل تطورات الأوضاع الاقليمية والدولية، وأولويات صون السلم والأمن العالميين، وجهود مصر فى دعم مكافحة الإرهاب، كما سيؤكد الرئيس السيسى فى كلمته التمسك بمشروع الدولة الوطنية العصرية التى تقوم على مبادئ المواطنة والمساواة وسيادة القانون وحقوق الإنسان، وتتجاوز بحسم محاولات الارتداد للولاءات المذهبية والطائفية والقبلية، وهى المباديئالتى تعد جوهر سياسة مصر الخارجية ومقارباتها الرئيسية فى التعامل مع كل قضايا المنطقة وعلى رأسها الأوضاع فى سوريا وليبيا واليمن، ويحمل خطاب السيسى فى الجمعية العامة رسالتين أساسيتين، أولاهما تتعلق بالقضية الفلسطينية تؤكد أن أى حل لا يحقق قيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية لا يضمن سلاما واستقرارا شاملا فى الشرق الأوسط، أما الرسالة الثانية فمحورها القارة الإفريقية التى تعتز مصر بالانتماء إليها وتحث المجتمع الدولى على القيام بمسئولياته تجاه حق الأفارقة فى تحسين جودة حياتهم. وبرغم التوقعات التى تتحدث عن لقاء مهم يجمع بين الرئيسين الأمريكى والصينى للتخفيف من حدة الحرب التجارية بين الدولتين، فإن التصعيد الأخير المتبادل بينهما لا يدع الفرصة لتفاؤل حقيقى بقرب الوصول إلى تفاهم مشترك، وكذلك الأمر مع إيران، فبرغم إعلان واشنطن استعدادها بقبول قمة تجمع بين الرئيسين ترامب وحسن روحاني، إلا أن جناح المحافظين الأكثر تشدداً فى إيران يرفض أى لقاء مع الرئيس الأمريكي. والواضح أيضا أن اتفاق النقاط العشر بين الرئيس الروسى بوتين والرئيس التركى رجب طيب أردوغان، الذى التزمت فيه روسيا بوقف الحرب الشاملة على إدلب، فى حين التزمت تركيا بإنهاء وجود الجماعات المتطرفة فى إدلب، وخروج كل أسلحتها الثقيلة بما فى ذلك الدبابات والمدفعية والصواريخ قد همش الدور الأمريكي، وجعل الرئيس أردوغان يختار مسيرة التعاون المشترك مع موسكو بما يجعل لقاء ترامب وأردوغان عملا بدون جدوي. وعلى هامش الجمعية العامة يلتقى الرئيس الأمريكى ترامب مع حليفه الأثير نيتانياهو على خلفية التوتر بين موسكو وتل أبيب، إثر إسقاط الطائرة الروسية فى الغارة الإسرائيلية الأخيرة على سوريا، ولا يعرف بعد إن كانت موسكو سوف تقبل وساطة ترامب أم أنها لا تزال تصر على عقاب إسرائيل، لكن الأمر المؤكد أن هذا الحادث سوف يؤثر سلبا على حرية العمل الإستراتيجى الذى مارسته إسرائيل بارتياح فى الجبهة السورية.