تم توقيع اتفاق لتصدير غاز اسرائيل الطبيعى بين مجموعة ديليك الإسرائيلية التى تملك حقلى الغاز الإسرائيليين ليفتان وتامارا اللذين تم اكتشافهما شرق المتوسط أمام الساحل الإسرائيلى, وشركة دولفينوس المصرية، بموجبه تشترى الشركة المصرية ما يعادل 15 مليار دولار من الغاز الإسرائيلى على مدى 10 سنوات من الحقلين الإسرائيليين، وتنقل الشركة المصرية الغاز الإسرائيلى الذى تم شراؤه عبر شبكة الأنابيب البحرية المصرية إلى مصر، وتدفع الرسوم المستحقة عن عملية نقل الغاز الإسرائيلى, الذى سوف تتم إسالته فى محطتى الإسالة المصريتين فى كل من دمياط وإدكو, لتعيد شركة دولفينوس المصرية تصدير الغاز الإسرائيلى مسيلاً إلى الخارج . ويدور الحديث عن اتفاقيتين لتوريد الغاز الطبيعى من حقلى ليفتان وتامارا الإسرائيليين إلى مصر، يمكن أن يبدأ تنفيذهما فى غضون عام على الأكثر، فور الاتفاق على قيمة الرسوم المطلوبة لنقل الغاز عبر خطوط الأنابيب المصرية إلى أن يتم توريد الكمية المتعاقد عليها حتى نهاية 2030 أيهما أسبق.
وفى إطار هذا الاتفاق سوف تتم دراسة الإمكانات المختلفة لتوسيع عملية نقل الغاز الإسرائيلى إلى مصر بما فى ذلك فرص استخدام خط الغاز الإسرائيلى ـ الأردنى الذى يربط بين شبكتى نقل الغاز الإسرائيلى والأردنى التى تقام الآن بين البلدين وفق اتفاق أردنى ـ إسرائيلى.
وسوف يمكن اتفاق شراء الغاز الإسرائيلى مصر من تسويق مخزون إسرائيل من الغاز الطبيعى إلى السوق العالمية كما يمكن مصر من استخدام بنيتها الأساسية المتمثلة فى شبكة أنابيب البترول البحرية شرق المتوسط فى نقل الغاز الإسرائيلى إلى محطات إسالة الغاز المصرية فى دمياط وإدكو التى تكلفت ما يربو على 20 مليار دولار قبل عدة سنوات، ويصعب بناء مثيل لها الآن على ساحل المتوسط الجنوبى لارتفاع التكلفة الباهظة، وبإعادة تحويل الغاز الإسرائيلى إلى سائل فى محطات دمياط وإدكو المصرية يسهل نقل الغاز الإسرائيلى مسيلا إلى أسواق التصدير فى العالم أجمع.. هذا هو مغزى الاتفاق الأخير بين مصر وإسرائيل الذى يعنى، أن تفيد وتستفيد دون الإضرار بمصالح أى من الأطراف الأخرى .
ووجه استفادة إسرائيل أن أسهم الغاز والبترول فى البورصة الإسرائيلية كانت فى حالة هبوط مستمر خلال العامين الأخيرين لصعوبة تسويق الغاز الإسرائيلى الى الخارج ووصوله إلى السوق العالمية، لكن الاسهم عادت أمس إلى الحياة بعد اتفاق شركة دولفينوس المصرية على شراء هذا الغاز وإعادة تصديره الى الخارج، وتقدر حجم الغاز الإسرائيلى الذى سوف تشتريه الشركة المصرية بموجب هذا الاتفاق بنحو 64 مليار متر مكعب على مدى 10 سنوات .
وإذا كان الإسرائيليون يبدون حماساً شديداً للمشروع الذى يمكنهم من تسويق إنتاجهم من الغاز الطبيعى إلى السوق العالمية عبر مصر التى تملك شبكة نقل الأنابيب الأساسية وتملك محطات الإسالة التى تحيل الغاز الإسرائيلى إلى سائل يسهل نقله إلى كل أسواق العالم، فإن الفوائد التى يحققها المشروع لمصر أكبر من ذلك بكثير، لأن مصر سوف تجنى المزيد من العوائد نتيجة استخدام بنيتها الأساسية فى نقل الغاز الإسرائيلى عبر خطوط أنابيبها ومحطات إسالة دمياط وإدكو المصريتين اللتين تكلفتا 20 مليار دولار وقت» الرخص«، وتوقفتا عن العمل بعد نفاد مخزون مصر من الغاز قبل أن يظهر حقل ظهر إلى الوجود، ثم جاءت فرصة شراء مصر للغاز الإسرائيلى أخيراً كى تتمكن هذه المحطات المتوقفة من العمل من جديد .
والأكثر أهمية من ذلك أن ما حدث مع الغاز الإسرائيلى يمكن أن يحدث مع لبنان وقبرص, بما يعنى أن مصر تملك الإمكانات الأساسية التى تمكنها من أن تستقبل الغاز القبرصى القادم من حقل أفرودينا القبرصى لتسييله وإعادة تصديره, ويمكن أن تستقبل ايضا الغاز اللبنانى وتسييله وإعادة تصديره إلى أسواق الخارج، بما يحول مصر بالفعل إلى مركز عالمى لتصدير الغاز، وإذا كان الإسرائيليون سوف يتمكنون من الوصول بغازهم الطبيعى إلى الأسواق العالمية عبر مصر لأن مصر تمثل أسهل وأقصر الطرق إلى السوق العالمية وأقلها كلفة، فالأمر المؤكد أن فائدة مصر سوف تكون أكبر كثيراً لأن مصر تملك البنية الأساسية القائمة بالفعل، وتحتكر محطات اسالة الغاز جنوب المتوسط التى يصعب إقامة منافس لها الآن لتكاليفها الضخمة والباهظة .
ولهذا السبب يؤكد الرئيس عبدالفتاح السيسى أن مصر وضعت قدمها بالفعل على الطريق الصحيح بغية أن تصبح مركزاً إقليمياً للطاقة، ولا يقلل من حجم المكاسب المؤكدة التى سوف تجنيها مصر من هذا المشروع الضخم, أن يتحقق لإسرائيل بعض المنافع, وتتمكن من تسويق غازها فى السوق العالمية، فهذا ما ينبغى أن تكون عليه الحياة، أن تفيد وتستفيد دون الإضرار بمصالح طرف آخر، وأظن أن ذلك هو المعنى المهم الذى قصده الإسلام عندما دعا الشعوب والأمم إلى التعارف وتبادل المنافع والمصالح، لأنه ليس صحيحاً بالمرة أن الإسلام قصد إلى أن تكون دياره ديار حرب إلى الأبد مع الآخر إلى أن يفنى أحدهما الآخر! وإذا كان بنيامبن نتيانياهو رئيس وزراء إسرائيل يبدى سعادته لأن الإسرائيليين سوف يجنون ثمار وصول غازهم الطبيعى إلى السوق العالمية، فلماذا لا نكون أسعد حالا من بنيامبن نيتانياهو، لأننا سوف نصبح مركزاً لوجستياً دولياً لنقل الطاقة، وسوف نحقق مكاسب أكبر من تلك التى سوف تحققها إسرائيل، أم أنها عقدة الخواجة التى تجعلنا أقل ثقة فى أنفسنا!
لقد عشنا فى سلام بارد مع إسرائيل منذ اتفاقات كامب ديفيد لأننا أردناه سلاماً شاملاً وعادلا يحقق أيضاً مصالح الفلسطينيين, ونحن لا نزال على العهد نقف بصدق إلى جوار القضية الفلسطينية دون أن يستطيع أحد المزايدة على مواقفنا، وأظن أننا سوف نكون أكثر فائدة للفلسطينيين أن أصبحنا فى وضع يمكننا من أن نكون أكثر تأثيراً فى الداخل الإسرائيلى واكثر قدرة على انجاز التسوية العادلة لأزمة الشرق الاوسط!ثم ثمة سؤال مهم آن أوان أن نعرف إجابته الصحيحة، ما الضرر الذى سوف يقع على مصر إن حصل الإسرائيليون على الثمن العادل لغازهم الطبيعى، وتحققت لمصر فائدة مؤكدة جعلتها أكثر قدرة وتأثيراً فى محيطها الاقليمى، وما الذى يحول دون أن ندفع بعض الدفء فى العلاقات المصرية ـ الإسرائيلية إن كان الإسرائيليون قد تغاضوا عن نصوص معاهدة السلام المصرية وسمحوا للقوات المصرية بأن تكون أكثر عدداً وعتاداً فى مواجهة جماعات الإرهاب فى سيناء ؟ ! سؤال اخلاقى مهم لا اتعجل اجابته؟
لقد كان يمكن بحساب الجدوى الاقتصادية وحدها تمرير هذا الاتفاق الذى يمكن شركة مصرية تتبع القطاع الخاص من شراء الغاز الإسرائيلى وإعادة تصديره إلى العالم مع تحقيق مكسب لمصر فى إطار تكافؤ المنافع وتبادل المصالح بين الامم، لكننى رأيت أن من المناسب أن ننكأ الجراح حتى يكون كل شىء على بلاطة, لأن مصر لا تفعل شيئاً سيئا ولا تخون عهداً وهى بالفعل فى سلام مع إسرائيل تربطهما معاهدة واضحة النصوص، رأى الإسرائيليون أن من الأفضل لهم تجاوز بعض نصوصها لصالح مصر وهى تحارب الإرهاب، وأيا كان الدافع الإسرائيلى فالأمر المؤكد أنهم إختاروا الموقف الأكثر ذكاء والأكثر عقلانية والأكثر وداً لمصر والأكثر تحقيقاً لمصالح إسرائيل، خاصة أنهم يعرفون جيداً أن ثمة شروطا أساسية ينبغى على كل الأطراف الالتزام بها كى ينجح هذا الاتفاق ويستمر تنفيذه، و أول شروط النجاح ضرورة أن تتحقق لمصر فائدة واضحة تتمثل فى قيمة مضافة، تجعل شراء الغاز الإسرائيلى أمراً مربحاً لمصر وثانيهما تسوية قضايا التحكيم الدولى لأنه من غير المقبول ومن غير المعقول أن تدفع مصر تعويضا لاسرائيل قدره مليارا دولار لأن الإرهابيين فجروا خطوط نقل الغاز أكثر من مرة فى شبه جزيرة سيناء، الأمر الذى يتطلب رؤية مختلفة تجعل مواجهة هذه التفجيرات جزءاً من كلفة الحرب على الإرهاب، يتحمل المجتمع الدولى والأطراف المعنية كلفتها وليس مصر.
وما ينبغى أن يكون واضحاً لجميع المصريين لا يحتمل اللبس أو خطأ التفسير والاستنتاج غير الصحيح، أن اتفاق الغاز الإسرائيلى لا علاقة له بالمرة بالسوق المحلية لأن احتياجات السوق المحلية يغطيها حقل ظهر وحقول الغاز المصرية الجديدة المكتشفة غرب الدلتا وشمالها التى تمكن مصر من تحقيق الاكتفاء الذاتى من الغاز بنهاية عام 2018 المقدر بنحو 800 مليون قدم يومياً ,يفى بها حقل ظهر الذى يرتفع إنتاجه من 300 مليون قدم يومياً الآن إلى أكثر من مليار قدم يومياً بنهاية عام 2018, وما يهمنا فى هذه القضية أن استيراد الغاز الإسرائيلى عبر الشبكة المصرية وإسالته فى محطات دمياط وإدكو كى يعاد تصديره إلى أسواق الخارج سيفيد مصر كثيراً فى أن تصبح مركزاً إقليمياً للطاقة وصناعات البتروكيماويات تستفيد منه لبنان وقبرص التى يمكن أن تحذو حذو إسرائيل لتوسط المكان وسهولته وتجهيزاته التى تشمل معظم البنية الأساسية، بما يؤكد أن مصر هى المستفيد الأول من هذا المشروع الضخم، ولهذا يصبح واحداً من أهم واجبات المصريين الآن أن يعيدوا النظر فى أبعاد القضية ويتعاملوا معها باعتبارها مصلحة مصرية مباشرة لا تنتقص من حقوق أى طرف آخر فضلاً عن أنها فى جوهرها تشكل محض اتفاق تجارى غير سياسى، خاصة أن القاهرة هى الوحيدة فى المنطقة التى تملك محطات إسالة للغاز يكاد يصعب بل يستحيل بناء منافس لها .
وما ينبغى أن نتوقعه أن أعداء مصر وحاسديها والراغبين فى سقوط دولتها والمتوجسين شراً من أن تكبر مصر لتصبح «قد الدنيا» سوف يحاولون ملاحقة هذا المشروع الضخم بالشائعات الكاذبة والأخبار المدسوسة وسوف يدسون السم فى العسل كى لا يحظى المشروع بحماس المصريين، خاصة جماعة الإخوان ومن تبعهم من جماعات »الحنجورى« التى تحسن العويل على اللبن المسكوب دون أن تنجح على امتداد تاريخها فى إنجاز شىء مؤثر!.
سوف يشددون العويل لأن إسرائيل سوف تكسب المليارات من وصول غازها الطبيعى إلى الأسواق العالمية عبر مصر, دون أن يروا حجم المكاسب الهائلة التى سوف تحققها مصر سواء من استخدام بنيتها الأساسية أو إعادة تشغيل محطات إسالة الغاز العاطلة عن العمل منذ سنوات, أو تحولها المؤكد إلى مركز إقليمى لتصدير الطاقة وأحد مراكز الإنتاج المهمة فى صناعة البتروكيماويات, لأن شعارهم المفضل هو توزيع الفقر على الجميع، وسوف نسمع العجب عن صفقة الغاز التى يعقدها السيسى مع إسرائيل لتحقيق أمن نظامه !، رغم أن المعروف الآن على مستوى العالم أجمع أن تحقيق أمن سيناء مهمة محض مصرية تقع على عاتق قوات الجيش والأمن المصرى وحدهما, لا تقبل فيها مصر شراكة أحد آخر، وأظن أن الواقع الراهن يؤكد صدق ذلك، ومن ثم فإن السؤال المهم الان، لماذا يبكى هؤلاء النائحون حسرة لأن المصريين سوف يحققون كسباً مهماً مضافاً لتحسين أحوالهم الحياتية، يأتى من عرقهم وكدهم وحده, ولا يترتب عليه الإضرار بمصالح اى من الأطراف الأخرى . وسوف يقولون كذباً إن الصفقة فى جوهرها صفقة سياسية أكثر من أن تكون اقتصادية رغم أن حسابات الجدوى الاقتصادية تؤكد أن أكثر الأطراف استفادة من الصفقة هم المصريون، ليس فقط بحساب أرقام الربح والخسارة، ولكن لأن مصر تستعيد بهذه الصفقة قدرتها على التأثير داخل الشرق الأوسط بما يحفظ أمنه واستقراره لصالح جميع دوله وشعوبه وأولهم الإسرائيليون والفلسطينيون .
المصدر : جريدة الأهرام