بقلم :مكرم محمد أحمد
فى الوقت الذى تواصل فيه قوات النظام السورى قصفها المدفعى على طول خط الجبهة مع فصائل المعارضة المسلحة فى ريف محافظة إدلب، ويواصل الطيران الروسى قصفه الجوى لمواقع المتمردين بعد فشل القمة الثلاثية التى جمعت رؤساء روسيا وإيران وتركيا فى الوصول إلى تسوية سياسية للأزمة فى إدلب، آخر معاقل المعارضة السورية المسلحة بعد سقوط جميع مواقعها فى غوطة دمشق وحمص وحماة ودير الزور ودرعا على حدود الأردن، لا تزال روسيا تتشكك فى دعاوى الرئيس التركى رجب الطيب أردوغان للفصل بين مواقع المعارضة المعتدلة والمتطرفين فى إدلب تجنباً لمعركة شاملة يمكن أن تتحول إلى حمام دم, خاصة أن محافظة إدلب تضم ثلاثة ملايين نسمة بينهم عشرات الآلاف من المسلحين الذين قدموا إلى إدلب من مناطق سورية أخرى، كانت تحت سيطرة المعارضة المسلحة السورية، لكنها سقطت تباعاً تحت سيطرة النظام السورى، والواضح أن الحرب الشاملة فى إدلب تكاد تكون متعذرة الآن رغم استمرار المناوشات العسكرية قلقا من وقوع ضحايا مدنيين بأعداد ضخمة، وتوقعاً لحدوث نزوح جماعى ضخم من سكان إدلب إلى داخل الحدود التركية، حيث يوجد ثلاثة ملايين لاجىء سورى يثقلون كاهل الاقتصاد التركى الذى يعانى من انخفاض ضخم فى سعر الليرة التركية، وتكاد تنحصر الخيارات المتاحة أمام تحالف الروس والسوريين فى القيام بعملية عسكرية محدودة ، فى أجزاء من محافظة إدلب لتعذر الهجوم الشامل على الأقل فى هذه المرحلة، خاصة أن النظام السورى يعانى من نقص القدرات البشرية مع اتساع سيطرة الجيش على مواقع عديدة كانت تحت سيطرة المعارضة المسلحة، وتكاد تنحصر الخيارات المتاحة أمام التحالف الروسى السورى فى القيام بعملية عسكرية محدودة فى أجزاء من محافظة إدلب تبعد فصائل المعارضة المسلحة فى اتجاه الشمال بما يُمكن الروس من تأمين قاعدتهم الجوية فى منطقة حميميم السورية التى تتعرض بين الحين والآخر لهجمات المعارضة المسلحة، وتمكن النظام السورى فى الوقت نفسه من السيطرة على القسم المتبقى من الطريق الدولى بين حلب وإدلب الذى يمر فى مناطق خان شيخون ومعرة النعمان، بما يعزز سيطرة الجيش السورى على الطريق الدولى الممتد من الحدود الأردنية السورية جنوباً إلى مدينة حلب شمال بطول 450 كيلو متراً.
ويزيد من صعوبة الموقف غموض الموقف الأمريكى الذى يركز على تهديد نظام بشار الأسد إن عاود استخدام الأسلحة الكيماوية فى إدلب، وكانت السفيرة الأمريكية فى الأمم المتحدة نيكى هايلى قد حذرت كلا من روسيا وسوريا من إجراء أمريكى رادع إذا جرى استخدام الأسلحة الكيماوية، الأمر الذى دفع السفير الروسى فى الأمم المتحدة إلى التأكيد أن روسيا وسوريا ليسا بصدد عملية عسكرية شاملة فى إدلب ولكن بصدد مكافحة الإرهاب، وتكاد تكون بشارة الأمل الوحيدة رغم اختلاف رؤساء روسيا وإيران وتركيا حول عناصر التسوية السياسية للأزمة السورية، توافق ممثلى الدول الثلاث فى اجتماعهم الأخير مع المبعوث الأممى لسوريا على اتفاق مبدئى بشأن تشكيل لجنة كتابة الدستور الجديد لسوريا، وفى السياق نفسه اجتمع وزير خارجية مصر سامح شكرى مع وزير خارجية السعودية عادل الجبير على هامش اجتماع مجلس وزراء الخارجية العرب الذى عقد أخيراً فى القاهرة لتأكيد ضرورة التعجيل بالتسوية السياسية للأزمة السورية من خلال مفاوضات جادة بين الأطراف المعنية وسرعة كتابة دستور جديد للبلاد، وتركيز كل الجهود على طموحات الشعب السورى فى الأمن والاستقرار.
والواضح أن وجهة نظر الرئيس التركى رجب الطيب أردوغان، التى تؤكد ضرورة وقف هجمات الجيش السورى المدعوم بقوات روسيا الجوية فى إدلب، مع التزام الدول الثلاث روسيا وإيران وتركيا بإنهاء وجود الجماعات الإرهابية فى إدلب والفصل بين المعارضة السورية المعتدلة وجماعات الإرهاب تلقى، مساندة متزايدة من معظم الدول الأوروبية خوفاً من مضاعفات نزوح جماعى من سكان إدلب إلى تركيا أو منطقة البلقان أملاً فى الوصول إلى أوروبا، وربما يكون الرابح الأكبر من الأزمة السورية فى وضعها الراهن الرئيس التركى أردوغان الذى استثمر الأزمة على نحو مكنه من إصلاح علاقاته مع أوروبا.
المصدر : جريدة الأهرام
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع