بقلم : مكرم محمد أحمد
ما ينبغى أن يكون واضحاً للجميع أن مصر لا تزال تُصر على أولوية إنهاء الحرب السورية لتحقيق استقرار الشرق الأوسط، وتوحيد جهود المجتمع الدولى من أجل وقف الكارثة الإنسانية التى تحدق بالشعب السورى بعد أن فقد أكثر من نصف مليون شهيد فى هذه الحرب المدمرة، التى أدت إلى خروج أكثر من 6 ملايين سورى من ديارهم وشتاتهم داخل الأرض السورية وخارجها فضلاً عن التدمير الشامل لمعظم المدن والحواضر والأسواق السورية!
ولا تزال مصر تؤكد أهمية استنقاذ الدولة السورية الموحدة وسيطرة الجيش السوري علي كل اراضيه لكن مصر التي ربما تكون على استعداد لإرسال قوات حفظ سلام إلى سوريا تحت مظلة الأمم المتحدة، وفى إطار قرار أممى بوقف شامل لإطلاق النار، ليست على استعداد لأن ترسل قواتها إلا فى إطار ترتيبات الدستور المصرى وبعيداً عن هذه الفوضى الدولية والتدخلات الأجنبية التى تضرب أطنابها فى سوريا من جانب كل من تركيا وإسرائيل وإيران، وما لم ترفع القوى الإقليمية الثلاث يدها عن سوريا، ويتوافق الأمريكيون والروس على التهدئة فى سوريا فسوف تظل الكارثة الإنسانية تحاصر الشعب السورى!
وما من شك أن استعادة الجيش السورى سيطرة الدولة على منطقة حمص وحماة، وإعادة فتح الأتوستراد الذى يصل بين البلدين بعد انقطاع دام 7 سنوات، وإخلاء ريف حمص وحماة من المسلحين المتمردين بعد تسليم كل أسلحتهم الثقيلة وترحيلهم إلى محافظة إدلب فى الشمال، كما تم إخلاء منطقة غوطة دمشق من المتمردين بعد أن سلموا أسلحتهم الثقيلة، يمثل خطوة إيجابية على طريق استقرار سوريا، كما أن مواصلة رئيس الوزراء العراقى حيدر العبادى تنظيف الحدود العراقية السورية من بقايا داعش ومنع التنظيم الإرهابى من إعادة السيطرة على مناطق الحدود يمثل تطوراً إيجابياً مهماً يدعو إلى التفاؤل، لكن مواصلة الرئيس التركى رجب أردوغان تهديداته لسوريا بالزحف من منطقة عفرين التى احتلها قبل أسابيع إلى منطقة منبج السورية لمطاردة قوات سوريا الديمقراطية يمثل خرقاً مباشراً لقواعد القانون الدولى وعدواناً سافراً على استقلال سوريا.
والواضح أيضاً أن الهجمات التى تشنها قوات الجيش الإسرائيلى داخل الأراضى السورية بتنسيق مع الولايات المتحدة، تستهدف إزعاج الوجود الإيرانى فى سوريا تزيد من خطورة الوضع السورى وتعقيده، لأن الصدامات الإسرائيلية الإيرانية المتكررة على الأرض السورية تكاد تندرج فى إطار حرب غير معلنة تدور بين إسرائيل وإيران، وما لم تنته فوضى التدخلات الأجنبية فى الشأن السورى ويرفع الجميع يده عن سوريا فسوف تتواصل الحرب السورية بالوكالة، وسوف يتواصل العدوان على الشعب السورى الذى يتوق إلى الأمن والاستقرار ويظل الشرق الأوسط عرضة لانفجارات عديدة لتُهدد أمنه واستقراره.
وأظن أن الحل الصحيح قبل استدعاء قوات عربية إلى معمعة سوريا وتوسيع نطاق الاستقطاب والصدام العسكرى على الساحة السورية هو الإسراع باستصدار قرار من مجلس الأمن بوقف الحرب ودعوة الأطراف المعنية (الحكم والمعارضة) إلى العودة لمباحثات جنيف، وكتابة الدستور الجديد لسوريا والتصميم على إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية تحت إشراف دولى، وترك مصير بشار الأسد إلى الشعب السورى يقرره فى انتخابات يشارك فيها كل السوريين دون استثناء وإفساح المجال لدور رئيسي للجامعة العربية كى تكون طرفاً فى تسوية الأزمة.
وأظن أيضاً أنه بات أمراً مهما ومعقولاً، أن تعود سوريا إلى مقعدها فى الجامعة العربية بوفد مشترك يضم أطرافاً من الحكم والمعارضة، يختارهم وفد التفاوض بين الحكم والمعارضة فى جلسة خاصة تعقد فى إطار مؤتمر جنيف أو فى اجتماع خاص يعقده أمين عام الجامعة العربية أحمد أبوالغيط مع وفدي الحكم والمعارضة السورية، و يمكن أن يضم الاجتماع أطرافا عربية أخرى لتسهيل الاتفاق وليس تعقيده، لأن غياب العرب عن أى دور فى تسوية الأزمة السورية إلا أن يدفعوا تكاليف الحرب والإعمار أو يقامروا بوجود قوات عربية فى سوريا قبل صدور قرار واضح من مجلس الأمن بوقف إطلاق النار موقف غير صحيح لا يلبى أبسط مفاهيم الأمن العربى وشروطه.
المصدر : جريدة الأهرام
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع