سوف يقف المصريون إلى جوار رئيسهم السيسى فى قضية الاصلاح الاقتصادي، وسوف يتحملون فوق ما يطيقون من أجل ان تعبر مصر عنق الزجاجة خاصة انهم يعرفون ان التركة ثقيلة والميراث صعب والمشكلات معقدة ومتشابكة، وان الامر يحتاج إلى المزيد من التضحية والصبر، ويعرفون ايضا ان الرئيس السيسى جاد فى مقاصده ويفعل كل ما يستطيع من أجل اختصار زمن المعاناة، ويدركون جيدا ان الامكانات أضعف كثيرا من الطموحات وانهم جزء من المشكلة ولم يصبحوا بعد جزءا من الحل لأنهم ينفقون بأكثر مما يكسبون ويشترون بأكثر مما يبيعون ويعتمدون فى أكثر من 65% من غذائهم على الاستيراد من الخارج، والخلل المزمن يضرب موازنتهم وميزانهم التجارى وميزان مدفوعاتهم، يعانون من نقص فادح فى مدخلات العملة الصعبة بسبب توقف السياحة وضعف صادراتهم إلى اسواق الخارج!.
لكنهم يعرفون ايضا انه ما ان تدور العجلة حتى تتحسن أحوالهم على نحو مطرد لأنهم يملكون اقتصادا متنوعا ويقدرون على مواجهة التحدى ولهم تجارب عظيمة سابقة..، ولكى تدور العجلة لابد ان تكون الحكومة اكثر حسما واقل ترددا فى اتخاذ القرار،تحسن المساءلة والثواب والعقاب، وتنجز اصلاحا اقتصاديا واسعا، وتصدر قانونا جديدا للاستثمار اكثر عصرية وتقدما يحسن موقف مصر التنافسى ويعيد ثقة المستثمرين فى السوق المصرية وتطلق المزيد من المبادرات دون عوائق البيروقراطية كى تحدث فى مصر عملية تطوير ثورى تكنولوجى لصناعاتها المتوسطة والصغيرة التى تستوعب 70% من قوة عملها، ترقى بصناعات الجلود والخشب والاثاث والملابس إلى مستويات المنافسة الاجنبية لتزيد حجم صادراتها إلى الخارج من هذه الصناعات اسوة بالصين وايطاليا، وتلتزم فى ذلك معايير الدقة والإتقان والذوق السليم ، وتضع نصب عينها تحقيق أمن الشعب الغذائى بأن تقلل اعتمادها فى غذائها على الاستيراد من الخارج، وتركز على صناعات الدواجن والاستزراع السمكى و زراعات القمح والفول والحبوب، ولاتفرط فى حقوق الدولة الضرائبية غير المحصلة التى جاوزت 60مليار جنيه لدى أفراد ومؤسسات تجارية ورأسمالية صنعت ارباحا طائلة دون ان تسدد حق الدولة!.
وما من سبب آخر لحرص المصريين على ألا يخذلوا رئيسهم السيسى سوى انهم عرفوه واختبروه جيدا ورأوه وهو يحمل رأسه على كتفه ليحمى حق 30مليون مصرى خرجوا إلى شوارع المدن المصرية في30 يونيو يطالبون بإنهاء حكم المرشد والجماعة الذين لم يطيقوا عليه صبرا لاكثر من شهور معدودات!، ومن المؤكد ان النسبة الاكبر من المصريين كانت تعرف جيدا ما الذى سوف يكون عليه حال مصر لو تمكنت جماعة الاخوان المسلمين من ترسيخ حكمها لمصر ونجحت فى السيطرة على كل مفاصل الدولة المصرية!.
ولايساورنى أى قلق من ان المصريين سوف يصبرون ويصابرون على ازمتهم الاقتصادية الراهنة إلى ان يعبروها بنجاح، وكل ما يحتاجون إليه كى تمضى العملية بسلاسة ونعومة توزيع الاعباء بعدالة على الجميع لا ان تغوص يد الجباية فى جيوب البسطاء واصحاب الدخل المحدود الذين يدفعون ثمن كل عملية اصلاح اقتصادي، بينما يتهرب عتاة القادرين من دفع الضرائب والوفاء بمستحقات الدولة!، لكن ما من شك ايضا فى ان مصر تحتاج إلى قدر مهم من الاصلاح السياسي، يقربها أكثر من الهدف المشترك الذى اجمعت عليه كل فئات المجتمع المصري(قيام دولة مدنية قانونية ديمقراطية تتساوى فيها حقوق المواطنة، وترعى حقوق الانسان وتحظى فيها حقوق الفئات الاقل قدرة بالرعاية الواجبة)، خاصة مع بداية فترة حكم ثانية للرئيس السيسى يستكمل فيها حقه الدستورى فى الترشح لفترة ثانية لابد ان يكون لها نصيبها المهم من عملية الاصلاح السياسي.
لقد فرضت الفترة الاولى من حكم الرئيس السيسى ضرورة الحفاظ على وفاق وطنى واسع، يوحد صفوف المصريين فى مواجهة الهجمة الشرسة التى تعرضت لها مصر اثر سقوط حكم المرشد والجماعة، سواء من جانب الجماعة نفسها فى تحالفها الداخلى مع قوى الشر والإرهاب فى سيناء، او فى تحالفاتها الخارجية مع تركيا وقطر اللتين بذلتا غاية جهودهما من اجل تهديد امن مصر على حدودها الشرقية مع قطاع غزة وعلى حدودها الغربية فى ليبيا، فضلا على عداء قوى الغرب وفى المقدمة الولايات المتحدة التى اسقطت ثورة يونيو مخططات تآمرها مع جماعة الاخوان المسلمين التى انفقت واشنطن عقودا فى ترتيبها!، وإذا بها تذهب هباء منثورا ادراج الريح مع السقوط المدوى لحكم الجماعة والمرشد، لتواجه مصر غضبة امريكية لم تخل من رغبة قبيحة فى الانتقام اوقفت شحن صفقات الاسلحة لمصر وبينها طائرات الاباتشى واف 16، والاخطر من ذلك انها منعت وصول قطع غيار الاسلحة الامريكية إلى مصر فى تهديد سافر يستهدف تحويل السلاح المصرى الذى كان معظمه قد اصبح امريكى الصنع إلى مجرد خردة صدئة!، وتبعت ذلك ضغوط اوروبية قبيحة استهدفت حصار مصر اقتصاديا وعقابها على نحو غير مسبوق وإلزامها القبول بعودة شراكة جماعة الاخوان المسلمين فى حكم مصر رغما عن انف شعبها!.
وبرغم فشل جميع هذه الجهود تحاول قوى التآمر معاودة الكرة مرة أخرى فى اطار خطة جديدة كشفت عنها اخيرا صحيفة الايكونومست تستهدف اكراه الرئيس السيسى على ان يمتنع عن ترشيح نفسه لمنصب الرئاسة مرة ثانية اكتفاء بفترة حكم واحدة!، بدعوى ان خروج السيسى من معادلة حكم مصر سوف يجعل الامور بالنسبة لمصر اكثر سلاسة واقل صعوبة كما ان عودة جماعة الاخوان المسلمين للمشاركة فى حكم مصر سوف تجعل البلاد أكثر امنا واستقرارا وتمكنها من تكتيل جهودها لمواجهة مشكلاتها الاقتصادية!!.
ولا اظن ان ما حدث فى انتخابات الرئاسة الاولى يمكن ان يتكرر فى الانتخابات الرئاسية فى الفترة الثانية من حكم الرئيس السيسي، ويتكرر نزول رئيس حزب الكرامة حمدين صباحى مرشحا منافسا للرئيس، لأن صباحى لن يحقق فى هذه الانتخابات ما حققه فى الانتخابات السابقة..، صحيح ان الاكثر توقعا ان يشارك فى انتخابات الرئاسة هذه المرة عدد اكبرمن المرشحين، اما بدافع البحث عن الشهرة او رغبة فى الحصول على لقب (مرشح سابق للرئاسة)، ولكن ما من شك ايضا فى ان هناك من يريدون الاشتراك فى معركة الرئاسة القادمة تعبيرا عن موقف معارض يحمل برنامجا مختلفا عن برنامج السيسي.
ولا ضرر ولا ضرار لأن المجتمع المصرى اختلف بالفعل، وكما ان هناك نسبة غالبة من المصريين تساند الرئيس السيسى وترغب فى ان يمتد حكمه لفترة ثانية، هناك من يحمل وجهة نظر معارضة ويرى رأيا مختلفا..، بعض هؤلاء يعتقد انه لا ينبغى ان يكون من حق الرئيس ان يصدر قرارا منفردا يتعلق بمشروع وطنى كبير مثل توسيع القناة او بناء عاصمة إدارية جديدة دون ان يكون المشروع مدرجا فى خطة الحكم ويحظى بموافقة مؤسسات الدولة، رغم اننا فى نظام رئاسى يضع الرئيس على رأس السلطة التنفيذية، ويحمله مسئولية القرار، ويعتبره الحكم الفصل بين السلطات..، هناك أيضا من يرى ان الرئيس السيسى يعتمد اكثر فى تنفيذ مشروعات التنمية على القوات المسلحة، وان القوات المسلحة ينبغى ان تتفرغ تماما لمهامها القتالية تحقيقا للدولة المدنية..، وربما يكون هناك من يرى ان اعتبارات التطوير والتحديث تفرض ضرورة التحول من النظام الجمهورى الرئاسى إلى النظام الرئاسى البرلمانى رغم ضعف هياكل الاحزاب الوطنية، بما يعنى ويؤكد ان المعارضة ليست عيبا أو جرما، بل هى حق مشروع وربما تكون ضرورة وطنية فى ظروف بعينها، وفى جميع تجارب العالم الديمقراطى فإن المعارضة تشكل جزءا من النظام الديمقراطي، لانه من طبائع الامور ان يكون هناك معارضون كما ان هناك موالين، وقوة الدفع والمحرك الاساسى فى النظام الديمقراطى هى حالة الصراع الجدلى بين الحكم والمعارضة التى تضمن الاختيار الرشيد والصحيح، وتكشف عن عثرات الطريق، وتجعل المفاضلة بين خيارات متعددة امرا ضروريا وصحيحا..، وهذا ما يلخصه القرآن الكريم فى هذه الآية البليغة (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ)، فضلا على ان السند الشرعى لقبول المعارضة جزءا من نظام الحكم الديمقراطى يكمن فى توافق المجتمع على ضرورة تداول السلطة عبر انتخابات نزيهة ونظيفة يتاح للجميع التأكد من سلامتها ونظافتها، وبضمان سلامة الانتخابات ونزاهتها يتكرس احترام المجتمع لمبدأ تداول السلطة ويعمق إيمانه بأنها أيسر السبل واحسنها لتحقيق حكم ديمقراطى صحيح يعكس ارادة الشعب ويضمن سلاسة انتقال السلطة وفقا لمشروعية قانونية صحيحة يلتزم بها الجميع.
ولا اظن ان الحديث الآن عن ضرورة الإصلاح السياسى يمكن ان يكون ترفا او امرا سابقا لأوانه، لأن واحدا من اهم ضمانات صحة الاصلاح السياسى وتنفيذه على اكمل وجه، ان يتم فى عهد الرئيس السيسى الذى جاءت فترة حكمه الاولى تعبيرا صادقا عن ارادة المصريين الحرة..، ومن ثم فإن استثمار فترة حكم الرئيس السيسى الثانية فى تعديل المشهد السياسى واستكمال اركانه بحيث يصبح اقرب إلى الهدف،يختصرالمسافات إلى نظام ديمقراطى صحيح هوالضمان الأكيد لحسن التطبيق.
لقد آثر الرئيس السيسى فى فترة حكمه الاولى ان يكون ممثلا لوفاق وطنى واسع يضم كل فئات المجتمع المصري، لم يستبعد احدا سوى الضالعين من جماعة الاخوان المسلمين وقياداتها فى جرائم ضد وطنهم، او هؤلاء الذين لاتزال ايديهم تحمل آثار دماء مصرية، وما عدا هؤلاء ظلت ابواب المشاركة مفتوحة امامهم دون عوائق، كذلك لم يشغل الرئيس السيسى نفسه فى هذه الفترة ببناء حزب سياسى يكون ظهيرا وسندا له فى الشارع السياسى رغم مناداة كثيرين بضرورة ان يكون للرئيس حزب سياسى يحمل رؤيته إلى الشارع المصرى ويدافع عنها ويشرف على تنفيذها، لكن الرئيس فضل ان تكون فترة حكمه الاولى على المشاع لحرصه الشديد على عدم التمييز بين المصريين فى فترة تستحق التركيز على توسيع ودعم الوفاق الوطنى مع فتح الابواب امام كل من يريد ان يساهم دون تمييز بين مواطن ومواطن.
اما وان الرئيس السيسى يدخل مرحلة حكم ثانية، وظهر من طبائع الامور ان وجود حزب معارض امر ممكن وربما يكون مطلوبا وضروريا، تصبح فكرة وجود ظهير سياسى للحكم فى فترة الولاية الثانية امرا ضروريا وجزءا من طبائع الامور، لأنه إن كانت هناك حاجة ماسة إلى حزب معارض فإن الحاجة اشد ضرورة لوجود حزب سياسى موال يدعم برنامج الرئيس ورؤيته فى مسيرة الاصلاح والتنمية..، وبوجود حزب معارض وحزب مؤيد وربما حزب او احزاب اخرى مستقلة أو معارضة تكتمل عناصر العملية السياسية وصورتها، ويستكمل المسرح السياسى اركانه الاساسية وتصبح الحياة الحزبية اكثر نضجا واكتمالا.
والامرالذى لا شك فيه اننا نشهد الآن بزوغ بدايات معارضة سياسية، تعكس الصحف المصرية قومية وحزبية آراءها وافكارها بوضوح بالغ، واذا كانت المعارضة مشروعة وضرورية وقائمة، فما هو السبيل إلى استنهاضها، هذا هو السؤال الصعب الذى سبق وان اجاب عليه الرئيس الراحل انور السادات وهو يخطط لقيام ثلاثة منابر سياسية، مؤيدة ومعارضة ومستقلة، عندما عهد إلى المهندس إبراهيم شكرى وزير الزراعة يومها بإنشاء اول تشكيل سياسى مصرى معارض، لكن التجربة لم تحقق النجاح المأمول،ربما لأن الرئيس السادات كان يود ان يتم الامر كله فى اطار افتراضى لايتجاوز الديكور إلى الحقيقة، وربما لان المهندس إبراهيم شكرى وقع فريسة لخداع جماعة الاخوان المسلمين التى استولت على حزبه!.
واظن ان الطريق اكثر سلاسة لإقامة حزب سياسى موال يكون ظهيرا للرئيس السيسي، يمكن ان تكون مجموعة دعم مصر نواته وطليعته فى فترة الولاية الثانية، شريطة ان تتوافر للحزب الجديد شروط اساسية تتجنب اخطاء تجارب مصرية كثيرة لم تحقق النجاح، مصدرها ان هذه التجارب ركزت فقط على الكيان الفوقى للحزب الذى تتوزع فيه المناصب القيادية والاشرافية ومقاعد البرلمان دون الاهتمام بوجود قواعد حزبية حقيقية تعمل فى الشارع والقرية والحى ووسط الناس، تشكل البنية الاساسية لحزب شعبي، وينظم عملها قواعد صارمة واختبارات عملية تشرك هذه الكوادر فى تجارب جماعية تعمل على تحسين ظروف البيئة وتشجيع برامج محو الامية والارتقاء بخدمات الصحة والتعليم والمرافق، إضافة إلى شروط اخرى مهمة توازن بين الوجود المدنى والوجود العسكرى بما يحفظ مدنية الحزب، ويوفر نظاما للترقى فى سلمه استنادا إلى الكفاءة والخدمة الميدانية وحجم الانجاز على ارض الواقع، وكلها قضايا مهمة لأنه على قدر صرامة المعايير وجودتها فى تشكيل حزب يكون سندا وظهيرا للرئيس، سوف تكون صرامة المعايير فى تشكيل حزب معارض يقدم رؤية أخرى مغايرة.
واول الشروط الصحيحة لنهوض حزب وطنى معارض، ان يكون حزبا مدنيا لايقوم على اساس ديني، معياره الوحيد الصواب والخطأ وليس الكفر والايمان، والثقة فى الحوار سبيلا إلى تحقيق التوافق والشراكة والاقتناع المشترك،وقبول الرأى الآخر انطلاقا من أن احدا لا يحتكر الحكمة والصواب والحل الصحيح، ورفض تجريم الرأى الآخر او تخوينه، ونبذ كل صور الاكراه الادبى والديني، وقبل ذلك جميعا حرية النقاش والاعتقاد وحسن التفاعل بين الموالاة والمعارضة..، وهذا ما درجت عليه الديمقراطية الغربية التى لم تزل هى اكمل وأفضل صور الديمقراطية فى عالمنا الراهن، لم تخترع البشرية بعد ما يمكن ان يفضلها أو يتفوق عليها.