مكرم محمد أحمد
لا أعتقد ان الازمة الصعبة التى تواجه قناة الجزيرة القطرية، وتلزمها خفض اعداد العاملين فيها بنسبة 25 فى المائة على الاقل من مجموع جهازها التنفيذى مجرد ازمة اقتصادية، سببها خسائر القناة التى جاوزت فى عامها الاخير 600 مليون دولار، الامر الذى دفع المسئولين فى قطر الى مراجعة النشاط الخاسر للقناة بحثا عن أوجه استثمار جديدة تدر عائدا اكبر! كما تقول تصريحات المسئولين القطريين، لانه عندما أنشأ الامير السابق حمد قناة الجزيرة عام 1996 لم يكن يخطط لمشروع استثمارى يستهدف الربح ويزيد مداخل البلاد الاقتصادية، ولكنه كان ينشئ مشروعا سياسيا اعلاميا يستهدف ابتزاز الحكومات العربية والتأثير على سياساتها، وزيادة قدرة قطر على النفاذ الى الرأى العام العربي، ولفت انتباه الغرب والاسرائيليين الى ان قطر تملك اداة اعلامية قوية تمكنها من اختراق العالم العربي.
وبرغم ان قناة الجزيرة نجحت فى بداياتها فى ان تكون قناة اخبارية متميزة، اكثر جرأة فى تناول ازمات العالم العربى ومشاكله، يبحث عنها المشاهدون العرب ليتابعوا على شاشاتها ما لا يرونه على شاشاتهم الوطنية بسبب السياسات الاعلامية الخاطئة التى تقوم على حجب الحقائق، الا ان هذا النجاح لم يستمر طويلا بسبب إسراف قطر فى استخدامها السياسى للقناة الى حد فقد مصداقيتها، ولأن القناة ابرزت حجم المفارقة الضخم بين ما تقوله قطر على شاشة الجزيرة وبين سياساتها العملية على ارض الواقع التى جعلت منها اكبر قاعدة للقوات الامريكية فى الشرق الاوسط، وألصق صديق باسرائيل تحرص على التواصل وتطبيع العلاقات معها.
والواضح من انخفاض الطلب الشديد على قناة الجزيرة وانصراف غالبية المشاهدين العرب عن متابعتها، إن السبب الحقيقى لسقوط قناة الجزيرة ليس ازمتها الاقتصادية، ولكن لأن قناة الجزيرة فقدت مصداقيتها على نحو كامل خلال ثورة الربيع العربى بسبب استهدافها المباشر لمصالح مصر ومتطلبات امنها الوطنى، دون مراعاة الحد الادنى من الاعتبارات المهنية ولجوئها المستمر الى الكذب واختلاق الوقائع..، وهذا ما يعرفه القطريون جيدا بعد ان انخفض الطلب على قناة الجزيرة ولم يعد احد يسعى لمشاهدتها لانه يعرف مقدما انها قناة منحازة لا تلتزم بصدق الخبر وكثيرا ما تم ضبطها متلبسة بفبركة اخبار وصور ورسوم غير صحيحة..، واظن ان قصة صعود وهبوط قناة الجزيرة تقدم درسا مستفادا لكل وسائل الاعلام مفاده، ان الاختلاق والكذب وغياب المهنية والاستخدام السياسى المفرط امراض تفقد أى وسيلة اعلامية مصداقيتها مهما يكن حجم الاموال التى تنفق عليها .