مكرم محمد أحمد
وجه الغرابة في الحديث عن أبراج الموت المخالفة, أن الجميع يتحدث عن أبراج الإسكندرية والمنصورة بينما تتمدد الظاهرة بصورة بشعة في القاهرة تتحدي العقل والقانون, وتكشف عن فساد بالغ ومروع, لا يزال المستفيدون منه طلقاء لم تطلهم بعد يد القانون!
وأظن أن كل الذين يتصادف مرورهم علي الطريق الدائري في المنطقة الواقعة بين الزاوية الحمراء والمرج يرون عشرات الأبراج التي ترتفع الي أكثر من15 دورا, متلاصقة لا تكاد المسافة الفاصلة بين برج وبرج آخر تزيد علي متر أو مترين, وتكاد الأيدي تتصافح عبر النوافذ فوق حارات ضيقة مظلمة, لا تسمح بمرور سيارة اطفاء أو اسعاف أو شرطة في مشهد بالغ التخلف والمهانة, يقدم شواهد حية علي الفساد والرشوة وانهيار الذوق العام والاستهانة الفجة بالقانون!.., ومع الأسف ينعم العشرات بل المئات من رؤساء الأحياء والمسئولين عن الادارات الهندسية الذين يرعون هذا الفساد بحرية كاملة بعد أن امتلأت كروشهم بالمال الحرام, لأنه فوق فسادهم هناك فساد أكبر يجعل من هؤلاء الفاسدين كبارا وصغارا عمدا متساندة متراصة تجعل يد القانون قاصرة عن أن تطولهم!
ومع الأسف فان ما نراه علي الطريق الدائري بين الزاوية الحمراء والمرج نراه عند مداخل المحور, حيث تتلاصق عشرات الأبراج بنفس الصورة المزعجة تفصل بينها حارات ضيقة مظلمة تتحدي القانون, وتعمر بسكان بسطاء يغامرون بحياتهم وأموالهم دون عقل أو وعي بعد أن دخل في وعيهم أنهم يعيشون في دولة لا تحترم النظام والقانون!, وأن أصحاب هذه الأبراج أقوي من كل سلطة ردع وعقاب!, وتحت تأثير هذا الاعتقاد غامر السكان بأموالهم وحياتهم. ولست أعرف علي وجه التحديد ما الذي يعجز الدولة والحكومة عن تنفيذ القانون, وهدم هذه الأبراج المخالفة التي تشكل خطرا علي حياة سكانها بقوة الأمر الاداري بدلا من الدخول في متاهة التقاضي التي تستغرق سنوات, لوضوح الجريمة التي لا يحتاج اثباتها الي أكثر من محضر تحرره النيابة المختصة, ويوثقه شهود من الحي, كما توثقه صور حية لهذه الأبراج المتلاصقة دون أي منافذ تسمح لعربات الإنقاذ والحريق وسيارات الإسعاف والشرطة بالمرور إلي داخلها, كي تبقي هذه المخالفات معلقة في سراديب القضاء, تنتظر سنوات طوالا دون حسم لتصبح في النهاية أمرا واقعا تحت دعاوي أزمة الإسكان أو يتم إهدار الحق العام عبر مصالحات تستند إلي أدلة زائفة تكرس الأمر الواقع وتؤكد غياب الدولة إلي أجل غير مسمي.