مكرم محمد أحمد
يشكل قرار الرئيس السيسى بحق مصر فى امتلاك برنامج نووى وطنى التجسيد الحقيقى لارادة سياسية قوية، تمتلىء عزما وتصميما على سد الفجوة النووية التى تعيشها منطقة الشرق الاوسط، لان البرنامج النووى المصرى لا يعنى فقط انشاء محطة نووية تضم اربعة مفاعلات لتوليد الكهرباء فى منطقة الضبعة، ولكنه يعنى دخول مصر عصر التكنولوجيا النووية بكل استخدماتها السلمية التى تشمل مجالات الطب والزراعة والهندسة والتصنيع الدقيق، فضلا عن ان امتلاك مصر لبرنامج نووى سوف يزيد من قدرتها التفاوضية على الزام المجتمع الدولى اعلان منطقة الشرق الاوسط خالية من الاسلحة النووية.
وأظن ان غياب الارادة السياسية التى تجعل من البرنامج النووى المصرى التزاما وطنيا يستند إلى استراتيجية واضحة كانت السبب فى اخفاق البرنامج المصرى الذى بدأ متأخرا عن نظيره الاسرائيلى بوصول المفاعل التجريبى السوفيتى إلى منطقة انشاص عام 61، ومع ان مصر ضاعفت خلال الستينيات جهودها ووسعت من نطاق بعثاتها التعليمية المتخصصة إلى الخارج، واقامت اول قسم تعليمى للهندسة النوويةفى جامعة الاسكندرية عام62، وخططت لانشاء معمل حار يضاف إلى مركز انشاص البحثي، وأجرت مسحا شاملا فى جميع ارجاء مصر بحثا عن اماكن ووجود اليورانيوم، لكن هزيمة 67 جاءت لتشكل ضربة قاصمة للبرنامج النووى عندما اوقفت مصر مشروعها لانشاء مفاعل مزودج فى منطقة سيدى كرير لتوليد الكهرباء وتحلية مياه البحر كان قد تم الاتفاق عليه بالفعل مع شركة سيمنس الالمانية.
لقد تكاتف سوء الحظ واضطراب علاقات مصر مع الغرب والمصاعب الاقتصادية بعد حرب 67على تأخير برنامج مصر النووي، وشبيه بذلك ما حدث فى العراق وليبيا الدولتان العربيتين اللتين كانتا تمتلكان برامج نووية، الامر الذى ادى إلى تفرد البرنامج النووى الاسرائيلى الذى بدأ بعد شهور من اعلان استقلال دولة اسرائيل وكان قدس الاقداس تلتزم بخطوطه كل الحكومات التى تتابعت على إسرائيل..، واظن ان السؤال الحقيقى الان كيف نجعل من قرار الرئيس عبدالفتاح السيسى استراتيجية متكاملة تشكل التزاما وطنيا ثابتا يصادق عليها البرلمان المصرى وتلتزم به كل الحكومات المتعاقبة على مصر..، لانه ما من شك ان مصر سوف تتعرض لضغوط دولية عديدة تستهدف تجميد برنامجها النووى رغم انه برنامج سلمى من الالف إلى الياء، إلا ان يكون هذا البرنامج التزاما وطنيا يحظى بتأييد ومساندة شعبية واسعة يوثقها البرلمان المصري.