د.أسامة الغزالي حرب
الخطوة التى أقدم عليها الرئيس عبد الفتاح السيسى، بعقد مؤتمر إعمار غزة بمشاركة 50 دولة و 20 منظمة دولية، أقل ما توصف به هو أنها «ضربة معلم» بالمعنى الكامل للكلمة، عكست رؤية ثاقبة للمشكلة، تتجاوز بكثير قضية «الإعمار» فضلا عن أنها –فى نفس الوقت- أعادت مصر بقوة إلى مكانتها المستحقة لها، كدولة لها وزنها الإقليمى، و دورها الذى لا تتردد فى أدائه.
لقد كانت مصر – من خلال كلمة الرئيس السيسى – واضحة، فى رؤيتها وفى موقفها، وهى أنه حان الوقت لإنهاء الصراع وإقامة السلام، وان ما تقوم به مصر يمهد الأرضية المناسبة لتفعيل التحرك الدولى العاجل والمطلوب، بالتنسيق مع السلطة الفلسطينية، استنادا إلى التهدئة الدائمة، وممارسة تلك السلطة لصلاحياتها فى قطاع غزة. وفى نفس الوقت خاطب السيسى الإسرائيليين: «حان الوقت لإنهاء الصراع دون إبطاء للوفاء بالحقوق ، ونجعل هذه اللحظة نقطة انطلاق حقيقية لتحقيق السلام والازدهار» .
إن هذا التحرك، فى ذلك التوقيت، له أهميته الحاسمة بأكثر من معنى: - فهو أولا يشدد ضمنيا على حقيقة أنه لا يمكن أن يحصل الفلسطينيون على حقوقهم المشروعة إلا إذا كانوا كتلة واحدة تنضوى تحت قيادة السلطة الشرعية الفلسطينية، وأنه لا محل لأى انقسام فلسطينى، تحت أى مبرر، ولذلك فإن خضوع حماس لتلك السلطة الشرعية، هو بالقطع سلوك إيجابى يستحق الإشادة به، ويسقط الكثير من حجج إسرائيل، وتهربها من التسوية الشاملة. وبالتعامل مع هذه القيادة الفلسطينية الواحدة يمكن إنجاز إعمار غزة ، بالتوافق مع المجتمع الدولى كله. – المعنى المهم الثانى هو انه آن الأوان- بناء على تلك الخطوات- للتقدم قدما نحو إعلان الدولة الفلسطينية المستقلة، على حدود الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية. ولذلك ، لم يكن مصادفة على الإطلاق أن ينجح مؤتمر إعمار غزة فى التوافق على رصد 5٫4 مليار دولار لهذا الغرض.
وبعبارة أخرى فإن أولئك المانحين والمتبرعين ليسوا مستعدين لكى يقوموا فى كل مرة تتعرض فيها غزة للعدوان و التدمير بدفع تكلفة إزالة آثاره، ولكنهم يفعلون ذلك اليوم إقتناعا وأملا بأنه إعمار يتم فى سياق سعى جاد ومسئول للتوصل للحل العادل والنهائى للقضية الفلسطينية، وذلك هو جوهر «ضربة المعلم» التى أقدم عليها السيسى!