بقلم : د. أسامة الغزالى حرب
اختلفت حالة الاقتصاد المصرى جذريا بعد قيام ثورة 1919 عنها قبل الثورة. قبلها كانت الغالبية الساحقة من الأنشطة الاقتصادية تعتمد على الأجانب الذين أقاموا فى مصر، وكذلك على اليهود المصريين، والبنوك الأجنبية. غير أن اقتصاديا مصريا عظيما فى تلك الفترة، طلعت حرب، كانت تراوده فكرة إنشاء بنك وطنى، يكون قاطرة لمشروعات وطنية عديدة فى كل المجالات. وكتب قبل الثورة بثمانى سنوات، فى 1911 كتيبا بعنوان: «علاج مصر الاقتصادى», تحدث فيه عن أهمية ومبررات إنشاء بنك مصرى. ثم كان المناخ الوطنى الكاسح الذى ولدته ثورة 1919 هو ما سمح لطلعت حرب بأن يحقق حلمه، وأن يتوافق مع رفاقه فى مارس 1920 على إنشاء البنك، حاملا اسم مصر.
واهتم سعد زغلول بتشجيع المصريين، ليس فقط على دعم بنك مصر، وإنما أيضا على سحب ودائعهم من البنوك الأجنبية. وتوالت المشروعات الكبيرة والمهمة التى أنشأها البنك، حاملة اسم مصر: مطبعة مصر، مصر لحليج الأقطان، مصر للنقل والملاحة, مصر للتمثيل والسينما، مصر لنسيج الحرير، مصر للغزل والنسج بالمحلة الكبرى، مصر لمصايد الأسماك، مصر للكتان، مصر لتصدير الأقطان. وفى عام 1930 أسس بنك مصر شركة مصر للطيران، ثم شركة بيع المصنوعات المصرية، وشركة مصر للتأمين، مصر للملاحة، ومصر للسياحة، ومصر لدباغة الجلود، ومصر للغزل والنسيج بكفر الدوار، ومصر للمناجم، ومصر لصناعة وتجارة الزيوت..إلخ .
وليس من قبيل المبالغة هنا اعتبار النهضة الاقتصادية التى قادها طلعت حرب هى الشق الاقتصادى لثورة 1919, فسعد زغلول وطلعت حرب كانا من جيل واحد تقريبا، وإن كان سعد يكبر طلعت بتسع سنوات، كما أن تشجيع سعد زغلول الدائم لطلعت حرب أمر ثابت وملحوظ، انطلاقا من حقيقة أنه لا معنى للاستقلال السياسى دون الاستقلال الاقتصادى.