بقلم : د.أسامة الغزالي حرب
هل فاتك عزيزى القارئ ذلك المشهد المهيب المؤثر، الذى عرضته شاشات التليفزيون، ظهر يوم الاثنين الماضى (27 يناير) على الهواء من غزة..؟ هل رأيت مئات الألوف من الفلسطينيين، نساء ورجالا..، شيوخا وشبابا وأطفالا، وهم يسيرون على الأقدام، متجهين شمالا إلى بيوتهم التى هجروا منها!... إنهم مرهقون ومتعبون ولكنهم يسيرون بهمة وإصرار واضحين نحو وجهتهم: منازلهم وبيوتهم التى أخرجوا منها. إنه مشهد استدعى إلى ذهنى بعض ما قرأته عن مسيرات جماهيرية عديدة فى التاريخ! بدءا من الزحف الكبير فى الصين بقيادة ماوتسى تونج عام 1934 أو مسيرة السود الأمريكيين فى واشنطن 1963 أو مسيرة «الملح» فى الهند ضد الاستعمار البريطانى فى 1930.... إلى مسيرات شهدتها شخصيا مثل مظاهرات 9 و10 يونيو 1967 أو جنازة عبدالناصر فى 1970... إلخ. غير أن مسيرة الفلسطينيين فى 27 يناير، ولو أنها لا تقارن بالطبع بحجم تلك المسيرات، إلا أنها كانت ذات مغزى آخر رائع ومفعم بالعواطف والمشاعر، إنها العودة، بعد شهور طويلة وصعبة، أرغموا فيها على المغادرة والعيش فى خيام مهلهلة فى العراء، ليس إلى بيوتهم التى عاشوا فيها أعمارهم كلها، وإنما العودة إلى أنقاض تلك البيوت...، إلى كتل هائلة من الخرسانة والطوب وحديد التسليح متراكمة بعضها فوق بعض! ولكنهم فرحون بالعودة! لأنها رمز لانتصارهم وصمودهم وقضائهم على أطماع وأوهام ابتلاع غزة بعد تفريغها من سكانها. هم فرحون حتى ولو كانت بيوتهم ركاما وأنقاضا بفعل عدو فاجر، كانت طائراته الحديثة تلقى الآلاف من قنابلها الثقيلة والحديثة، ليس على حصون عسكرية أو مدرعات أو دبابات.. وإنما على بيوت ومستشفيات ومدارس ومرافق للمياه والكهرباء والمجارى، تعقبا وخوفا من فدائيين أفراد..، يقدمون على مواجهتهم من.... «المسافة صفر»!