د.أسامة الغزالي حرب
إزالة العشوائيات والقضاء عليها، أصبحت الآن فى مقدمة الموضوعات المطروحة على الرأى العام، خاصة بعد ان اصبحت لدينا «وزارة» مكرسة للتعامل معها تتولاها وزيرة متخصصة متميزة هى د. ليلى إسكندر.
إن وجود هذه الوزارة وتلك الوزيره ينقل جهود التعامل مع العشوائيات من مستوى المواجهة «العشوائية» إلى مستوى المواجهة العلمية، المخططة والمنظمة. إن العشوائيات هى اساسا تلك المناطق التى تضم تجمعات المساكن المبنية بطريقة عشوائية، أى بلا تراخيص، وبلا أى مواصفات معتمدة للبناء، وبلا أى مرافق مخططة لتوفير مياه الشرب أو المجارى أو الكهرباء، وفى هذه المناطق لا توجد شوارع مخططة باى شكل وإنما هى أزقة وحوارى متداخلة شديدة الضيق على نحو يجعل من المستحيل فعليا دخولها من أجهزة الأمن وغيرها من سلطات الدولة. هذا هو الجانب الأساسى والشائع عن المناطق العشوائية، اى الجانب العمرانى المرتبط بعشوائية المبانى والمساكن والطرق، والذى يغلب بالتالى على خطط التعامل معها بحيث تستهدف أساسا إعادة تخطيط تلك المناطق عمرانيا كمناطق سكنية مخططة ومتكاملة تشقها طرق مستقيمة ومستوية ومرصوفة، وتتوافر فيها المرافق الأساسية من مياه نظيفة للشرب، وصرف صحي، وكهرباء...إلخ. غير أننى أعتقد ان هذا الجانب «العمراني» من مشكلة العشوائيات ربما كان هو أسهل وأيسر جوانبها، ولكن ما يترتب على الاوضاع السكنية والعمرانية العشوائية من آثار ثقافية واجتماعية هو فى تقديرى الجانب الأكثر خطورة بكثير فى قضية العشوائيات، والأصعب فى معالجته! إن المناطق العشوائية من تلك الزاوية - هى مناطق تفتقد وجود «القيم» الأساسية، القيم الأخلاقية والدينية والسلوكية، وتلك هى المهمة شديدة الصعوبة التى لا تمكن مواجهتها ببناء المساكن وشق الطرق! «البناء الفوقي» للعشوائية المتمثل فى انهيار القيم وتدنى الثقافة هو الذى يستلزم بلا أدنى شك مجهودات أصعب واكبر وأشمل تشارك فيها ليس وزارات التعمير وشركات الإسكان والبناء، وإنما وزارات الثقافة والتعليم وأجهزة الإعلام والمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية والمجلس الأعلى للثقافة وجميع أقسام الاجتماع وعلم النفس فى الجامعات المصرية. «العشوائية» أخطر وأسوأ وأشمل بكثير مما تتصورون!