د.أسامة الغزالي حرب
تذكير مصر والإعلام المصرى لأردوجان وللحكومة التركية بمذابح بلادهم الشائنة ضد الأرمن، فى خلال وبعد الحرب العالمية الأولى، هو رد فعل منطقى لتطاول أردوجان على مصر وثورتها فى الأمم المتحدة ، بشكل يخرج عن المألوف، وحديثه عن "مذبحة" رابعة ، وكذلك لحملته المسعورة لدعم الإخوان والتى بدت آخر ملامحها فى افتتاح مسجد فى تركيا باسم محمد مرسى...إلخ.
إن هذه المذابح التركية - التى سوف يحيي العالم ذكراها المئوية فى العام القادم هى واحدة من أبشع الجرائم فى التاريخ الحديث، والتى يقدر ضحاياها بين مليون، ومليون ونصف المليون نسمة، وهى توضع ضمن أبشع جرائم الإبادة الجماعية فى القرن الماضى. هذا التاريخ الأسود للأتراك مع الأرمن يستدعى إلى الذهن تاريخ الأرمن فى مصر، والذى يمثل النقيض الكامل للسلوك التركى، وربما لا يعرف الكثيرون أن وجود الأرمن فى مصر- مع صغر عددهم- يعود إلى العصر الفاطمى و المملوكى، واستعان بهم محمد على فى كثير من الوظائف الحكومية لمعرفتهم الجيدة باللغات وبالنظم الأوروبية فى الصيرفة وغيرها. ثم كان "نوبار نوباريان"( أو نوبار باشا) الأرمنى هو أول رئيس وزراء لمصر الحديثة فى عام 1878 فى عهد إسماعيل، وتولاها بعد ذلك مرتين أخرتين. وأدت مذابح الأرمن على يد الأتراك فى أثناء وبعد الحرب العالمية الأولى إلى موجة هجرة واسعة من الأرمن إلى مصر، ووصل عددهم فى العشرينات إلى مايقرب من 17 أو 18 ألفا. ومنذ الخمسينات يعيش الارمن فى الأحياء الراقية بالقاهرة، فضلا عن وسط المدينة. كما للأرمن – كما هو معروف- كنائسهم ومدارسهم المميزة. والواقع أن معظم الأرمن المصريين اليوم لا يرتبطون بجذورهم إلا من خلال الذكريات العاطفية أكثر منها العلاقات الحقيقية الوثيقة. يبقى من المثير الإشارة إلى بعض من أشهر الارمن المصريين الذين هم جزء عزيز لا يتجزأ من الثقافة المصرية والفن المصرى مثل "صاروخان" رسام الكاريكاتير الشهير الراحل فى أخبار اليوم، والمغنية والممثلة الشهيرة فيروز، وكذلك الممثلتان الموهبتان نيللى ولبلبة والمطربة أنوشكا. هم جميعا مصريون حتى النخاع، يحبون بلدهم مثلما يحبهم ويعجب بهم شعبها.