د.أسامة الغزالى حرب
اتصل بي مساء أول أمس المهندس شريف حسين كامل, أحد اصدقاء العمر القدامي الذي تزاملت معه منذ الأشراف الابتدائية في شبرا(أي منذ أكثر من نصف قرن!) ثم أكملنا سويا في فصل المتفوقين في شبرا الإعدادية ثم التوفيقية الثانوية. قال لي أنت تكتب في موضوعات كثيرة بعضها هامشي أو غير مهم..فكيف تتجاهل الحديث عن سوريا وما يحدث فيها وكان واضحا أنه غاضب بالذات من التدخل الروسي هناك, فأنا أعرف جيدا ميوله الإسلامية القديمة التي أحترمتها ولكني في الوقت نفسه كنت دائما متحفظا عليها. قلت له معك! إنني أعتقد أن الكاتب أحيانا ما يتجاهل بشكل لا شعوري تناول موضوعات معينة لأسباب عديدة, وسوف أحاول أن أمسك بتلك الأسباب ليس للتبرير و إنما لمحاولة التفسير. فنحن-شريف و أنا و العديدون من أبناء جيلنا- كنا في سن العاشرة تقريبا عندما تمت الوحدة المصرية السورية.. كانت حلما جميلا دام فقط أقل من أربع سنوات قبل أن يقع الانفصال ويعترف به عبد الناصر منكسرا لأول مرة,هذا يعني لجيلنا ارتباطا عاطفيا بسوريا وربطا لها بالعروبة وبالقومية العربية باعتبارها قلب العروبة النابض! غير أن المشهد الحالي في سوريا و عواقبه يبعد بشدة عن ذلك الحلم! ما يحدث اليوم في سوريا يؤشر أولا إلي أن افتقاد الديمقراطية يفقد النظام السياسي شرعيته مهما حقق من انجازات, و لنتذكر أن وراثة بشار لحكم أبيه كانت أبرز النماذج الشائنة للتوريث السياسي التي نجونا منها في مصر. غير أن مايحدث في سوريا يكشف لنا في الوقت نفسه مدي وحشية و ضراوة البديل الذي تطرحه القوي الظلامية المتسترة بالدين, والتي بلغت أبشع صورها في تنظيم الدولة الإسلامية في العراق و الشام( داعش) الذي أثار سخط و اشمئزاز العالم كله, ولطخ سمعة الإسلام والمسلمين كما لم يحدث في التاريخ! وفي الصراع بين النظام الديكتاتوري من ناحية, والمعارضة الدموية. من ناحية اخري, ضاعت المعارضة الوطنية الديمقراطية, وضاعت معها سوريا كلها, وتشرد الشعب السوري في بقاع الارض في مشهد مؤسف و مذهل, وتحولت سوريا إلي ساحة للصراع بين القوي الكبري الخارجية, و صارت أقدارها, بل أقدار المنطقة كلها بأيدي تلك القوي, كما قال بحق محمد حسنين هيكل. واكتشفنا الحقيقة المرة لعجزنا, و عجز مؤسساتنا الوهمية( الجامعة العربية!) هل عرفت ياشريف لماذا تجنبت لا شعوريا الحديث عن سوريا؟