مع تصاعد مشاعر استياء الرأي العام من الإرهاب، قررت حكومتا باكستان وأفغانستان التخلي عن سياستهما التقليدية التي كانت تقضي بإيواء التنظيمات الإرهابية مقابل تعهد هذه التنظيمات بعدم شن هجمات داخل الدولة «المضيفة». ونتيجة لهذه السياسة الانهزامية، تمكنت مجموعات متنوعة من التنظيمات الإرهابية من إقامة قواعد لها في الدولتين الجارتين، وتم ذلك أحيانا على مرأى ومسمع من السلطات. تشن حركة طالبان الباكستانية هجمات على باكستان انطلاقا من قواعدها الموجودة في أفغانستان وتتحرك طالبان الأفغانية انطلاقا من قواعدها المقامة في باكستان.
التسامح مع أفعال التنظيمات الإرهابية ضد أحد الجيران أو المنافسين ليس بالأمر الجديد. يعود تاريخه في الواقع إلى حالة التنافس القديم بين الإمبراطوريتين الرومية والفارسية عندما أنشأت كل منهما سلسلة من الدويلات التابعة لتكون بمثابة شوكة في خاصرة الإمبراطورية المنافسة. وفي العصر الحديث، أثناء الاحتلال السوفياتي لأفغانستان، قامت الولايات المتحدة وبعض حلفائها في المنطقة بتمويل وتدريب جماعات إرهابية مسلحة لتكون شوكة في خاصرة الاتحاد السوفياتي. وانتهى الأمر بأن صارت بعض تلك الجماعات نفسها شوكة في خاصرة الولايات المتحدة وحلفائها.
بعد طرد الجيش الأحمر، استثمرت باكستان في التنظيمات الإرهابية الأفغانية أملا في الحصول على مركز سيطرة في كابل. وردت الحكومات الهشة التي تولت مقاليد الحكم بعد انهيار الشيوعية في كابل بتسليح قبائل البشتون التي كانت ترغب في محاربة باكستان. تلك السياسة الكارثية وسمت تاريخ العلاقات بين أفغانستان وباكستان منذ تسعينات القرن الماضي.
إلا أن قائد الجيش الباكستاني الجنرال رحيل شريف، ونظيره الأفغاني شير محمد كريمي وقعا، الأسبوع الماضي، اتفاقا قد يشير لبدء صفحة جيدة من التغيير الاستراتيجي في أساليب الدولتين في التعامل مع الإرهاب.
بموجب هذا الاتفاق، تسمح الجارتان لقوات كل منهما بحق القيام بالمطاردات التي تتخطى الحدود بين الدولتين. وكانت هذا الأمر إحدى المسائل الشائكة المعلقة منذ عقود، حيث رفضت الحكومات الأفغانية المتعاقبة الاعتراف بالحدود التي وضعها البريطانيون خلال فترة حكمهم لشبه القارة الهندية. يرى الأفغان أن أجزاء كبيرة من شمال غربي أفغانستان، حيث تشكل قبائل البشتون أغلبية، تمثل «أراضي أفغانية محتلة»، وينبغي أن تعود إلى «الوطن الأم»، وهو موقف ترفضه باكستان بكل حزم.
الآن، تقع بعض القواعد الإرهابية التي تعمل ضد أفغانستان على مسافة بضعة أميال داخل الأراضي الباكستانية تحت حماية قوات حرس الحدود الباكستانية.
لن تكون هذه الحماية متاحة مع توقيع الاتفاق الجديد. وفي الواقع لم تقم وحدة أفغانية يوم الأربعاء بمواصلة مطاردة جماعة إرهابية داخل الأراضي الباكستانية للمرة الأولى.
كما يقضي الاتفاق بتبادل المعلومات على نحو منتظم. ومن شأن ذلك أن يمكّن الجارتين من معرفة المزيد من المعلومات عن الهجمات المخطط لها في الوقت المناسب للتعامل معها. استطاعت التنظيمات الإرهابية حتى الآن قطع مئات الكيلومترات على مرأى ومسمع من أجهزة الأمن الباكستانية بهدف شن هجمات داخل أفغانستان. كان مجرد إرسال معلومة بسيطة عن تحركاتها كفيلا بإنقاذ حياة الآلاف من الأرواح. ورد الأفغان الصاع بأن أخفوا أخبار تحركات طالبان الباكستانية عن الجانب الباكستاني.
رغم أن الاتفاقية قوبلت بالترحاب، فإنها لا تزال تعاني من أوجه قصور تتمثل في الغموض الذي يكتنف عددا من المسائل الحاسمة. على سبيل المثال، لا تتطرق الاتفاقية إلى وجود زعماء الإرهاب، الذين يكونون غالبا على مرأى ومسمع من الرأي العام.
على سبيل المثال، توجد القيادة العليا لتنظيم طالبان الأفغاني في تسعة منازل كبرى في مدينة كويتا الباكستانية. يقوم التنظيم الذي يعرف باسم «مجلس شورى كويتا» بعقد جلساته العامة أربع مرات سنويا، وغالبا ما ينشر أجزاء من وقائع الجلسات على موقع «يوتيوب».
كما يقيم هناك الملا محمد عمر، المعروف بلقب «أمير المؤمنين»، حيث يلفت إليه الأنظار ويستقبل الزوار المحليين والأجانب. ويقال إن مكتبه يعمل فيه أكثر من عشرين شخصا، من بينهم العديد من خبراء باكستانيين في مجال تكنولوجيا المعلومات.
ورد الأفغان الصاع بسماحهم لزعيم حركة طالبان الباكستانية، الملا عبد الرزاق، بالحصول على كل التسهيلات اللازمة لتشغيل مقره في جلال آباد بالقرب من الحدود المتنازع عليها مع باكستان.
تحاول كل من إسلام آباد وكابل تبرير سلوكياتها الغريبة بادعاء أنها لا تسمح لطالبان إلا بممارسة «نشاط سياسي عادي». بمعنى آخر، ينبغي فصل الأنشطة الإرهابية لحركة طالبان عن «ممارسة حقها في حرية التعبير عن الرأي والحشد».
يمكن للولايات المتحدة وينبغي عليها أن تلعب دورا فاعلا في ترسيخ دعائم الاتفاق الجديد والمساعدة في معالجة أوجه القصور التي يعاني منها. ونظرا لأن الولايات المتحدة تشارك بنشاط في الحرب على الإرهاب في أفغانستان، سيكون أمرا عاديا إذا قامت فقط بالتنسيق مع قوات الأمن الأفغانية والباكستانية في بعض من عملياتها على الأقل. ومع اتفاق كابل وإسلام آباد على تنحية مسألة الحدود الشائكة جانبا في الوقت الراهن، لا ينبغي على الولايات المتحدة تلقائيا أن تستبعد استهداف التنظيمات الإرهابية التي تفر من أفغانستان إلى ملاجئها في باكستان والعكس صحيح.
كما يمكن للولايات المتحدة أن تستميل أفغانستان وباكستان للاتفاق على قائمة مشتركة بالتنظيمات الإرهابية. وستؤدي مثل هذه القائمة إلى التخلص من العذر المتمثل في أن أحد التنظيمات قد يكون إرهابيا في دولة وسياسيا فقط في دولة أخرى.
هناك ما هو أعمق من ذلك، وهو أن تدرس أفغانستان وباكستان والولايات المتحدة إنشاء آلية تنسيق مشتركة، على نحو غير رسمي على الأقل. فهذه الدول الثلاث ضحايا للإرهاب وما زالت مستهدفة من الإرهابيين الذين ينطلقون غالبا من «المناطق التي لا تخضع للسيطرة الحكومية» الممتدة على الحدود الأفغانية الباكستانية.
رغم أنه من السابق لأوانه معرفة ما إذا كانت كابل وإسلام آباد ملتزمتين حقا بالقضاء على الإرهاب، فإنه ينبغي على الولايات المتحدة اقتناص الفرصة التي أوجدها التحول الكبير في الرأي العام في الدولتين ضد الإرهاب والإسلام السياسي بشكل عام.
حاليا، تتعرض ما لا يقل عن 73 دولة لتهديد الإرهاب بشكل أو بآخر. وهكذا، يمكن النظر إلى الإرهاب بوصفه مشكلة دولية ينبغي على المجتمع الدولي ككل مواجهتها وحلها. أما أولئك الذين يلعبون بورقة الإرهاب على أمل تحقيق مكاسب تكتيكية فإن الحال ينتهي بهم دائما باحتراق أصابعهم، واحتراق منازلهم كذلك في بعض الأحيان.
لقد آن الأوان لندرك جميعا أن الإرهابي ليس بطلا، لكنه عدو للجميع.