صلاح منتصر
كلما جاء موعد سداد ضريبة الدخل والحديث عن المبالغ التى سددها الممولون ، أتذكر «قانون يوسف بطرس» الذى صدر منذ عشر سنوات وضاعف حصيلة الضرائب رغم أنه خفض سعرها من 42% إلى 20% ، لكن الأهم تغيير مفهوم الضريبة بالنسبة لملايين الممولين.
فقد كان الأساس عدم الاعتراف بما يكتبه الممول فى إقراره لأنه مواطن كذاب ومتهرب ، وبالفعل كان معظم الممولين - إن لم يكن كلهم - يتهربون من كتابة الحقيقة ، لتأكدهم أن مصلحة الضرائب لن تأخذ بكلامهم وسيقدرون عليهم أرباحا جزافية ، عليهم إثبات عدم صحتها ، ليدخل الممولون والضرائب فى نزاع يمتد سنوات وسنوات يظل الممول خلالها «معلقا من ضريبته» !
جاء قانون بطرس وخفض الضريبة إلى النصف وجعل الأساس صحة الإقرار الذى يقدمه الممول ، وعلى مصلحة الضرائب إذا شكت فيه أن تثبت هى كذبه ، وفى هذه الحالة يتعرض للسجن إذا تأكد كذبه . وهكذا قبل قانون يوسف بطرس المواطن متهرب إلى أن يثبت العكس، وبعد القانون المواطن شريف إلى أن يثبت العكس .
حكى لي بطرس غالي يوما أنه استعان فى وضع القانون بأستاذ هولندى فى الضرائب هو البروفيسور «جيرتين ميشليس» تعرف عليه عن طريق صندوق النقد الدولى ، وقد طلب إليه أن يحبس نفسه أسبوعين يكتب فيهما مشروع قانون جديد كتبه باللغة الإنجليزية وتولى يوسف بطرس ترجمته للعربية بنفسه ومناقشته مع عدد محدود من المتخصصين أبرزهم كما حكى لى حسنى جاد مدير الضرائب فى ذلك الوقت ومحمد الدكرورى. وبعد شهور من المناقشة والصراع لإقناع حسنى مبارك ومجلس الوزراء ومجلس الشعب صدر القانون.
ورغم أن الضريبة عبء مكروه وتعد أسوأ سلعة يمكن الحديث عنها ، فقد نجح يوسف بطرس فى تنظيم حملة اعلانات للقانون الجديد وصلت من النجاح إلى درجة أنه كان ينتظرها الملايين فى مصر والدول العربية . ومن اول سنة تم فيها تطبيق القانون الجديد تضاعفت حصيلة الضرائب بعد أن اطمأن الممولون الى عدم وجود كمائن خفية ، وأن القانون هدف الى التعامل مع المواطنين بشرف ، فكان أن تعاملوا بدورهم مع الضريبة بشرف .