بقلم - صلاح منتصر
فى غرفة الصحافة بالبيت الأبيض، أعلن الرئيس جورج بوش استعداده للقاء طارق عزيز يوم 10 ديسمبر، وإرسال وزير الخارجية جيمس بيكر للاجتماع بصدام حسين فى موعد مناسب بين 15 ديسمبر و15 يناير. وأضاف بوش: لن تكون هناك تنازلات لإقناع صدام بالانسحاب من الكويت ولا مبادرات لإنقاذ ماء الوجه، فالانسحاب غير المشروط هو الخيار الوحيد لتجنب الحرب «ولكننا نفعل ذلك- أضاف بوش- لعبور مسافة ميل إضافية من أجل السلام».
جاء هذا الإعلان بنتائج مخالفة للتى تصورها بوش. فالقرار كان مفاجأة لدول التحالف، وقد أبدى بعضهم عدم الرضا عن عدم إبلاغهم مقدمًا بالقرار، وسألوا هل موعد 15 يناير موعدا حقيقيا لإعلان الحرب إذا لم ينسحب صدام؟، وأحس السعوديون والكويتيون بالقلق الشديد، فقد كانوا يخشون أن تؤدى المباحثات التى تجرى أن يسحب صدام كل قواته العسكرية كاملة دون أن تمس. (مذكرات جيمس بيكر 488)
وفى السادس من ديسمبر، قام صدام بحركة محسوبة هدفها تحطيم الإجماع الدولى على استعمال القوة، فأعلن إطلاق سراح جميع الرهائن الأجانب الذين كانوا موجودين فى العراق والكويت، ورفض كثيرا رجاءات الإفراج عنهم. وأتبع ذلك باستغلال فكرة اللقاءات المقترحة، فعاد يطرح أن يشمل الحوار مختلف قضايا الشرق الأوسط، وعلى رأسها بالطبع القضية الفلسطينية، مقترحًا أن يلتقى صدام بجيمس بيكر فى بغداد يوم 12 يناير، أى قبل ثلاثة أيام من موعد الإنذار النهائى، وأن يزور طارق عزيز واشنطن يوم 17 ديسمبر.
ورفضت واشنطن موعد 12 يناير، وقبلت زيارة عزيز فى 17 ديسمبر، وعلى أساس قصر المباحثات على موضوع الانسحاب من الكويت. وجاء الرد من صدام فى اليوم التالى بإعلانه إلغاء زيارة طارق عزيز لواشنطن. ورد الرئيس بوش باستعداده اجتماع وزير خارجيته بيكر بطارق عزيز فى جنيف. وفى هذه المرة وافق صدام على اجتماع طارق عزيز بوزير الخارجية جيمس بيكر فى جنيف يوم 9 يناير.
■ ■ ■
فى قاعة أعدت للاجتماع فى فندق إنتركونتيننتال فى جنيف، وما إن جلس الاثنان فى مواجهة بعضهما حتى بدأ بيكر الحديث قائلا: هذا اجتماع مهم آمل أن توافقنى على أننا نلتقى كممثلين عن دولتين مستقلتين، وإن كانتا تختلفين اختلافا شديدا. إن هدفنا ليس ممارسة طرف الضغط على الطرف الآخر، ومع ذلك يجب ألا يفاجئكم أننى لست هنا للتفاوض حول القرارات التى أقرتها الأمم المتحدة. أنا هنا من أجل الإبلاغ، وأنا مستعد ليس للكلام فحسب، بل للاستماع، ولكن دعنى أولا أقدم رسالة من الرئيس بوش إلى الرئيس صدام حسين وأطلب منك إيصالها.
يحكى جيمس بيكر أن طارق عزيز بدأ قائلا: شكرًا لك أيها السيد الوزير، مع أمل أن يكون هذا اللقاء مثمرًا. إن الطريق لتحقيق ذلك يكمن فى استماع أحدنا للآخر. وبعد ذلك طلب منحة من الوقت لقراءة الرسالة، وبعد أن فرغ من القراءة قال: السيد الوزير لقد قلت إن الهدف من الاجتماع ليس ممارسة طرف الضغط على الآخر، بينما الرسالة مليئة بتعبيرات التهديد، بل لعلها غريبة عن أساليب الاتصال والتواصل بين رؤساء الدول. إننى لا أستطيع قبولها. تستطيع أن تنشرها عبر وسائل إعلامكم لو أردتم.
قال بيكر: أريد أن أوضح أننى لا أجد هذه الرسالة غير مناسبة بأى شكل من الأشكال. من المهم أن يفهم أحدنا الآخر بوضوح. لا أستطيع أن أجعلك تأخذ هذه الرسالة معك، ولن أحاول ذلك، ومع ذلك عليك أن تعلم أننا قد ننشرها وقد لا نفعل. إن هدفنا أن تغادر الكويت. وإذا أنت لم تفعل ذلك فستجد أننا فى حرب معك. إنها لن تكون حرب استنزاف كالتى خضتها مع إيران، بل سنخوضها بالوسائل والأسلحة التى تعبر عن قوتنا لا قوتك. إن هذا الكلام ليس بهدف التهديد، بل الإبلاغ. فى حالة نشوب النزاع ستواجه قواتك قوة نارية ساحقة وستدمر قواتنا تدميرًا فعليًا قدرتك على إدارة البلاد. إن الحرب ستدمر كل ما قاتلتم من أجل تحقيقه فى العراق (مذكرات جيمس بيكر)، وسكت بيكر وبدأ طارق عزيز الكلام