بقلم ـ صلاح منتصر
18ـ كانت لسنوات تربيتى فى مدينة دمياط تأثيرها الكبير على تقديرى الشديد للقطاع الخاص، وكفاح أفراده فى العمل الشريف الذى يؤدونه ، فقد تربيت فى مدينة عبارة عن خلية نشاط وعمل فى صناعات الأثاث والأحذية والألبان والأسماك والأرز والتجارة والسياحة ( مصيف رأس البر) وفى أسرة متواضعة تعمل فى صناعة الحلويات، ومن معمل صغير راح ينمو حتى أصبح معملا من ثلاثة أدوار وعربات تجوب الدلتا حاملة إنتاجها محققة ربحها الشريف.
ولم تكن الأسرة إلا نموذجا لآلاف الأسر فى كل مصر ، ومن عاش سنوات الحرب العالمية الثانية بين 39 و1945 يتذكر كيف أنه رغم إغلاق موانئ الاستيراد بسبب الحرب فإننا لم نشعر بالحرمان من أى سلعة باستثناء الجاز أو الكيروسين الذى كان أساس الإضاءة بلمبات الجاز وتشغيل «بوابير الجاز» الوسيلة الأساسية للطبخ وتسخين الماء، فأصبح بيعه بكوبونات . غير ذلك لم نحرم من أى شئ وقد استطاع القطاع الخاص أن يعوض بجهده نقص لمبات الجاز والأكواب الزجاجية التى كنا نستوردها ونقص السكر بإنتاج ماعرف بالجلوكوز، وهى مادة سكرية تنتج من البطاطس . ومن يقرأ كتاب الأستاذ عمر طاهر الذى أسماه «صنايعية مصر» يستطيع أن يعرف دور القطاع الخاص فى مصر قديما وهو دور لم يختف فقد كتب عمر طاهر عن الراحلين، بينما فى خريطة الأنشطة المختلفة حاليا عشرات الأفراد الذين أقاموا عشرات المدن والمصانع وعمروا صحارى كانت فى شرم الشيخ والغردقة والساحل الشمالى حولوها إلى أجمل البقاع .
ولهذا لم أستطع أن أجد سببا مقنعا للتأميمات التى صدرت فى 20 يوليو 1961، وأن يذهب أصحاب المصانع هذا الصباح إلى مصانعهم فيجدوها محاصرة بالدبابات، والحسابات فى البنوك تم وضع اليد عليها وحتى السيارة التى ذهب بها إلى المصنع لم يعد يستطيع أن يستقلها.
وكان تأثرى كبيرا بالفنان محمد فوزى الذى مازلنا نعيش على أغانيه وأفلامه، وقد جمع كل ماكسب لإنشاء أول شركة فى الوطن العربى للإسطوانات، لكنهم لم يرحموه ويقدروا كفاحه فأصيب بسرطان العظام وانخفض وزنه إلى 40 كيلوجراما ومات فى حسرة أصابت آخرين كثيرين جرى تأميمهم .