صلاح منتصر
فى مصر كما فى كل العالم يطفئ الذين يحتفلون بعيد ميلادهم الشموع . وهو تقليد بدأ منذ سنوات بعيدة فى اليونان على أساس أن المحتفى به يتقرب بنور الشمعة المضاءة إلى آلهة الحياة بينما عندما يطفئها يطرد بدخانها الشيطان.
وقد استمر هذا التقليد وانتشر فى جميع القارات وبنفس النهج .. ولكن خروجا على التقاليد المتوارثة ، ياتى يوم عيد ميلاد الاستاذ محمد حسنين هيكل الحادى والتسعين ليضىء لنا بحواراته التى يجريها حاليا فى التليفزيون ، شموعا عديدة لا تنطفىء من الفكر والراى والتحريض على المعرفة والتحليل.
ومن الطبيعى ألا يتفق الجميع على رأى الأستاذ وأن يثور الخلاف على مايقوله ، وهذا فى الواقع قيمة مايقول .. تحريك العقل ودفعه الى التفكير بالتأييد أو الرفض أو استلهام فكر جديد فى ضوء ماسمع ..المهم أن يفكر .
بدأ الاستاذ مهنة الصحافة منذ 72 سنة وطوال هذه السنوات لم يتخل يوما عن مهنته، حتى عندما فرض عليه الرئيس الراحل جمال عبد الناصر ان يكون وزيرا فى سن السابعة والاربعين ، وعندما أبعده الرئيس الراحل انور السادات عن الأهرام فى الثانية والخمسين ، وعندما تصور انه يمكن ان ينسحب ويعتزل الكتابة فى سن الثمانين ، فاذا به بعد ان استأذن فى الانصراف عن لقاء القارىء على الورق، يدخل اليه بيته من خلال احاديثه وحواراته التليفزيونية الممتعة.
عاصر الاستاذ هيكل الملك فاروق وحصل مرتين على جائزة للصحافة تحمل اسم فاروق، وبعد ذلك على حد وصف للدكتور حازم ببلاوى ، فقد عاش هيكل مؤيدا لجمال عبد الناصر، ومحايدا للسادات ، ومعارضا لمبارك، واظنه اليوم مباركا للسيسى .
أسطورة هيكل فى قدرته على الالتزام ببرنامج بالغ القسوة يتابع فيه آخر ماتنتجه المطابع من كتب ، وما تقدمه مراكز الفكر والأبحاث من دراسات ، إلى جانب زيارات مهنية يجدد فيها شبكة إتصالاته الواسعة التى لا يملك أى صحفى نظيرا لها . ولمن يعرفه فهو آخر من يعرف الغرور رغم أنه يملك بشدة أسبابه ، لكنه شديد الاعتزاز بذاته. وهو بالنسبة لمصر والعالم العربى قيمة خاصة جدا.. نرجو الله ان يحفظها ليزداد عطاء ونزداد متعة !