د. وحيد عبدالمجيد
طريق الحرية لا ينتهي. ربما هو الطريق الوحيد الذي لا يمكن للإنسان أن يجد نهاية له. فكل خطوة فيه تفتح آفاقاً أوسع للحرية، وتوجد عقبات في مواجهتها أيضاً.
وهذا هو ما أدركه معظم دعاة الحرية منذ أن بدأت شمسها تبزغ في العالم قبل نحو أربعة قرون. فقد عرفوا أن طريق الحرية لا ينتهي ليس فقط لارتباطها الوثيق بتحول البشر من كائنات حية إلي كائنات إنسانية، ولكن أيضاً لأن العقبات التي تعترض من يسيرون في هذا الطريق لن تزول.
فكلما تمكن البشر من الحصول علي قدر من الحرية لتحقيق إنسانيتهم، ازدادت شراسة من تهدد هذه الحرية سلطاتهم ومصالحهم ومزاياهم، وتفتقت أذهانهم عن وسائل لتقييدها. وهم يفعلون ذلك الآن سعياً إلي تضييق الآفاق التي فتحها اختراع شبكة الويب العالمية عام 1989، ويستخدمون أدوات تكنولوجية وأخري تشريعية. فإذا لم تتوافر هذه أو تلك، فالوسائل الأمنية المتجاوزة للقانون حاضرة سواء بصورة ناعمة، أو بطريقة خشنة كالتي تحدث من حين إلي آخر ضد من يقدمون بثاً إذاعياً عبر «الانترنت» رغم حصولهم علي التصريح اللازم لهذا النشاط. وكان اخرها في مصر الهجمة علي اذاعة «حريتى» التي تعمل منذ سنوات طويلة0
ولذلك يُعد السباق بين من يستخدمون «الانترنت» لدعم فرص ممارسة الحرية، ومن يعملون لتقليص هذه الفرص، مجالاً خصباً لدراسة أحد أهم جوانب الصراع بين نزعتي التحرر والتسلط.
فمازال المتسلطون قادرين علي محاصرة «الانترنت» ومراقبة أخص خصوصيات مستخدمي أدواتها علي نحو يؤكد مرة أخري بُعد نظر جورج أورويل عندما كتب روايته العبقرية التي سماها (1984) ليذَّكر بأن إصرار السلطة «الأخ الكبير» علي مراقبة الناس سيزداد. وما يتعرض له «الانترنت» الآن يدل علي أن مهمة «الأخ الكبير» ليست صعبة مادام في إمكانه تصغير عقول الناس أو استغلال صغرها.
فليس عليه إلا أن يمضي في استغلال أي خطر لتضخيم خوف الناس، أو حتي خلقه إذا لم يوجد، ليعيشوا في حالة فزع تدفع معظمهم إلي زيادة الطلب علي الأمن وقبول اجراءات استثنائية.
وما أن يتعود الناس علي الشعور بأن كل صوت مسموع وكل حركة مرصودة، حتي يكفوا عن التفكير في حقوقهم معتقدين أنهم يقدمونها قرباناً لمن يحميهم ويدرء الخطر الذي يهدد حياتهم.
ولذلك ليس صعباً أن تظل عيون «الأخ الكبير», و«الاخوة الصغار» من أتباعه, ترقب وتراقب.