د. وحيد عبدالمجيد
بعد أن بدأ العد التنازلى للانتخابات النيابية, ازدادت التحركات الهادفة الى تحقيق تفاهمات بين قرى متجاورة للاتفاق على مرشحين يتم دعمهم0 وهذا هو العمق الحقيقى للعملية الانتخابية فى ظل نظام الاقتراع الفردي, وخاصة حين تكون معظم الدوائر فى مناطق ريفية أو شبه ريفية. وكلما كانت هذه الدوائر أصغر مساحة، إزدادت أهمية الانتماءات العائلية والعصبيات. وتبدو هذه الظاهرة أكثر وضوحا فى الدوائر التى يخصص لكل منها مقعد واحد أو مقعدان. ولكنها تظل قائمة بدرجة أقل نسبياً فى الدوائر الأكبر التى يُخصص لكل منها ثلاثة أو أربعة مقاعد.
فقد ظهرت ملامح تكتلات يسعى مرشحون إلى اقامتها، ويضم كل منها قرية المرشح وقرية أخرى لم يترشح أحد من أبنائها، أو أكثر من قرية.وتمثل هذه التكتلات نمطاً تصويتياً يقوم على نوع من العصبية المعتمدة على ولاءات شديدة الضيق، والمرتبطة بانتماء إلى قرية ما (ابن بلدنا).
والحال أنه كان صعباً فى كثير من الانتخابات البرلمانية التى أُجريت فى العقدين السابقين على ثورة 25 يناير فهم مغزى نتائجها دون إدراك أبعاد هذا النمط الذى يرتبط بنظام الانتخاب الفردي، ويتوسع نطاقه كلما تراجع الطلب على السياسة فى المجتمع.
وعلى سبيل المثال، كان هذا النمط من أهم العوامل التى أفقدت الحزب الوطنى المنحل الأغلبية فى انتخابات 2000، حيث لم يتجاوز نسبة المقاعد التى حصل عليها 38٫8% قبل عودة الخارجين عليه الذين ترشحوا مستقلين إلى صفوفه.
فقد أخفق من اختاروا المرشحين حينئذ فى تقدير أوزان الراغبين فى الترشح من أعضائه، ولم يتنبهوا إلى أن المرشح الذى يعتمد على عصبية موالية له يمكن أن يكون أقوى من نظيره الذى يملك أموالاً طائلة. وقد تتفوق تكتلات عصبية قوية على المال الانتخابي، لأنها تنطوى على حافز أقوى للذهاب إلى لجان الاقتراع، فضلاً عن أن هذا الحافز ذاتى ويقترن فى معظم الأحيان بحماس للمرشح، بخلاف الحال عند التصويت لمجرد الحصول على مبلغ من المال. أما اذا اجتمع «الحسنيان», أى المال والعصبية, فقل على باقى المرشحين السلام0
ولذلك ينبغى على من يتابعون الانتخابات, سواء لنقل أخبارها أو لتحليل تطوراتها، أن يتنبهوا إلى التكتلات القروية التى تتشكل الان فى كثير من الدوائر.