د. وحيد عبدالمجيد
نقلة ملحوظة فى جوائز نوبل هذا العام، وخاصة فى جائزتى السلام والآداب. فقد مُنحت جائزة السلام إلى أربع منظمات تونسية شكلت لجنة حوار وطنى فى أكتوبر 2013، ونجحت فى وضع حد للانقسام الذى كاد يجرف ثورة 14 جانفى عن مسارها.
وها هو المجتمع الدولى يُكَّرم ثورات «الربيع العربى» كلها، رغم تعثرها فى معظم بلادها وانتصار قوى الثورة المضادة مؤقتا عليها، من خلال منح إحدى أرقى الجوائز العالمية إلى المنظمات الرئيسية فى المجتمع المدنى التونسى.
فقد تقدمت هذه المنظمات لأداء دور تاريخى أدرك العالم أهميته وقيمته، وهى الاتحاد العام للشغل، والاتحاد العام للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية، والهيئة الوطنية العامة للمحامين، والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان.
استثمرت هذه المنظمات ما تملكه من قوة تراكمت عبر التاريخ لإنقاذ تونس من ويلات انقسام كان يهددها. فرغم الحاق قيادة اتحاد الشغل بالسلطة تمكن من المحافظة على مقومات استقلاله فى كثير من قطاعاته على المستوى القاعدى، بخلاف نظيره المصرى (الاتحاد العام للعمال) الذى تم إدماجه فى السلطة التنفيذية بشكل كامل. وكان لهذه القطاعات دورها فى انحياز الاتحاد الى الثورة التى أعادت اليه استقلاله الكامل, فصار فى وضع يمكنَّه من المبادرة بإجراء حوار وطنى، والضغط على التيارين المدنى والإسلامى للمشاركة فيه بدعم من المنظمات الثلاث الأخرى. وقاد أمينه العام المناضل حسين العباسى هذا الحوار، بالتعاون مع قادة المنظمات الاخرى0 وكان لحضور الاتحاد العام للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية أثر رمزى لكنه بالغ الأهمية فى تعزيز الاتجاه الى الحوار0 ورغم أن هذا الاتحاد كان مستتبعا للسلطة فى عهد بن على، وخاصة فى الفترة التى تولى رئاسته فيها الهادى الجيلانى، فقد انحاز بدوره إلى الثورة وانتخب لرئاسته السيدة وداد بوشماوى المؤيدة للتغيير.
كما تحظى المنظمتان الأخريان باحترام واسع يتجاوز حدود تونس. وكان دور الهيئة الوطنية العامة للمحامين فى الحوار الوطنى بالغ الأهمية، مثله فى ذلك إسهامها فى التطور الديمقراطى بعد الثورة. وكانت رابطة الدفاع عن حقوق الإنسان هى الضلع الأخير فى هذا الرباعى الرائع الذى يفخر به كل عربى يؤمن بالحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية.