د. وحيد عبدالمجيد
ماذا بقى من المجتمع الذى يقدم مسلسل «حارة اليهود» رؤية درامية له من خلال إحدى أكثر المناطق تعبيرا عن حالة التفاعل الاجتماعى، ومستوى التعايش والتسامح والاحترام المتبادل وقبول الآخر. فكلما كانت المنطقة أكثر تنوعا، وبمقدار ما تتعدد عقائد ساكنيها وانتماءاتهم الدينية والمذهبية والعرقية وغيرها، تصبح معيارا لقياس مدى تقدم المجتمع أو تخلفه. ولذلك كانت «حارة اليهود» تعبيرا عن حالة فى المجتمع المصرى لم يبق منها إلا القليل اليوم.
كان اليهود جزءا لا يتجزأ من نسيج مجتمعى يتمزق الآن. فقد خرج اليهود منه فى مرحلة بدأت الأسوار تُقام فيها بين مكوناته، وتزداد مساحتها وارتفاعاتها يوما بعد يوم. أُقيمت هذه الأسوار بين مسلمين ومسيحيين وفى داخل كل من هذين المكونين الأساسيين للمجتمع على المستوى الدينى.
وانحصر التعايش والتسامح فى مقابل توسع نطاق الكراهية والتعصب والتطرف وتنامى الميل إلى العنف وصولا إلى تصاعد الإرهاب الدموى. وأصبح تصنيف الشخص أكثر أهمية من سلوكه وعمله وأدائه، وصار السؤال عن انتمائه مقدَّما على غيره، وحاسما فى تحديد الموقف تجاهه.
وبعد أن كان الاختلاف الدينى هو المعيار الرئيسى لهذا التصنيف وما يقترن به من مواقف، صار موقع الشخص على الخريطة السياسية التى ازدادت تعقيدا والتباسا لا يقل أهمية فى هذا المجال. وأصبح عدد متزايد من الناس يسألون على سبيل المثال عن انتماء صاحب هذه الشركة أو ذلك المتجر بكل ما ينطوى عليه ذلك من تناقض مع طبيعة السوق والتعاملات الاقتصادية والتجارية وأساس وجودها.
ولذلك تبدو المشاهد الخاصة بمتجر «شيكوريل» مثلاً فى مسلسل «حارة اليهود» دالة على مدى الاختلاف الذى حدث فى مجتمعنا بعد ستة عقود ونيف على الفترة التى يتناولها هذا المسلسل. لم يكن أحد معنيا بأن صاحب هذا المتجر هو الثرى اليهودى مورينو شيكوريل، ولا منزعجا من أن أكبر المتاجر من هذا النوع كانت مملوكة لمصريين يهود، مثل سليم وسمعان صيدناوى، وكليان شملا، وهارون وفيكتور كوهين (محلات بورنتبوريمولى)0 ولم يهتم أحد بأن اسم محلات بنزايون يعنى بالعربية «ابن صهيون» قبل أن تتنامى أطماع الحركة الصهيونية وأخطارها وتدق أول مسمار كبير فيما صار نعش التعايش والتسامح وقبول الآخر فى مجتمعنا.