بقلم:د. وحيد عبدالمجيد
لا يكفى وجود دستور فى دولة أو أخرى لتكون هذه الدولة دستورية. فوجود دستور لا يعنى بالضرورة توافر بيئة دستورية. وفى غياب هذه البيئة يصبح الدستور ورقًا لا قيمة له وفقًا لرؤية د. ناثان براون أستاذ القانون والسياسة فى عدد من الجامعات الأمريكية فى كتابه «دساتير فى عالم غير دستورى» Constitutions in Non-Constitutional World الذى نقله الراحل الكبير د. نور فرحات إلى العربية عام 2010 تحت عنوان «دساتير من ورق».
وكان معتقدًا أن الولايات المتحدة ليست، ولا يمكن أن تكون، من الدول التى تنطبق عليها رؤيته هذه. فقد ساد اعتقادُ دعمته وقائع على مدى عقود طويلة فى أنها دولة دستورية. ولكن تبين الآن أنها ليست أو على الأقل لم تعد كذلك. انتُهك الدستور الأمريكى، ومازال، مرات عدة خلال شهرين ونيف. ويُعد اعتقال طالب الدراسات العليا فى جامعة كولومبيا محمود خليل استعدادًا لترحيله من أهم هذه الانتهاكات وأكثرها وضوحًا. يتعارض قمعه على هذا النحو تعارضًا تامًا مع التعديل الأول للدستور الأمريكى فى ديسمبر 1791 الذى أُصدر خصيصًا لمنع مثل هذا الإجراء ضد حرية التعبير. فهو يضمن حماية كاملة لحريات العبادة والتعبير وحق الناس فى الاجتماع السلمى وفى المطالبة بالإنصاف من الإجحاف.
لم يفعل خليل شيئًا سوى ممارسة حقه فى التعبير عن التضامن مع فلسطين ورفض حرب الإبادة فى قطاع غزة. تعبيرُ سلمى تمامًا عن رأيه لا أكثر ولا أقل. ويعنى هذا أن التعديل الأول للدستور صار ورقيًا، وأن الدستور الأمريكى الذى طالما أُشيد به صار حفنةً من ورق. فقد اعتُقل خليل بقرار من السلطة التنفيذية دون سند قانونى من أى نوع. مجرد مذكرة من وزارة الخارجية تدعى أن وجود خليل فى الولايات المتحدة «قد يؤدى إلى عواقب خطيرة محتملة على السياسة الخارجية الأمريكية» دون أى توضيح كيف ولماذا وعلى أى أساس.
وهكذا حدث, ويحدث, ما لم يكن متوقعًا وصارت الولايات المتحدة الدولة غير الدستورية الأكبر فى العالم بعد أن كان كُثُرُ يعتبرونها نموذجًا للدولة الدستورية.