بقلم : د. وحيد عبدالمجيد
ربطُ تاريخ أى بلد من البلدان بحفنة من البشر عاشوا لحظات عابرة فيه إنما هو محاولة لسرقته. وهذا هو تحديدًا ما تحاول الكاتبة الجزائرية الفرنسية هدية بن ساحلي أن تفعله فى كتابها الذى يدل عنوانه على الهدف منه: «الجزائر اليهودية ــ أنا الآخر الذى أعرفه قليلاً». وهو ليس كتابًا فى الفكر, بخلاف مزاعم من اعترضوا على غلق فرع مقر دار فرانس فانون التى نشرته فى ولاية جومرداس الجزائرية لمدة ستة أشهر. هذا نص مُحمَل بانحيازات سافرة ومجادلات مهترئة تهدف لسرقة تاريخ الجزائر.
لم أطلع على الكتاب بعد، ولكننى أثق فى صدقية أصدقاء قرأوه، وهالتهم الرسائل الخبيثة التى ينطوى عليها، والتى لخصها الكاتب الجزائرى يوسف بوذن بأنها «محاولة لطبخ الذاكرة الجزائرية بخميرة يهودية». فقد لاحظ أنها فتشت فى تاريخ الحياة الاجتماعية والثقافية الجزائرية لتختار أسماءً وعلاماتٍ تعتبرها دالة على الانصهار والتمازج سعيًا لتجذير اليهود فى التربة الجزائرية بعد أن تُضخَّم وجودهم وتقزَّم المكون الإسلامى فى الهوية الوطنية.
وعندما يُنشر مثل هذا الكتاب فى الوقت الذى يُكشف النقاب مجددًا عن الأطماع الصهيونية الواسعة فى بلاد العرب، وليس فى فلسطين فقط، يصعب اعتباره عملا فكريًا تتعين مواجهته بالفكر كما يرى بعض من اعترضوا على الغلق المؤقت لفرع الدار التى نشرته باعتبارها شريكةً فى محاولة تزييف التاريخ. وعندما تكون مقدمة الكتاب بقلم كاتبة إسرائيلية صهيونية هى فاليرى زنانى، التى كانت جندية فى جيش الاحتلال والإبادة، تزداد صعوبة موقف من يرفضون اتخاذ إجراء بسيط ضد فرع الدار التى نشرته.
والحال أن هذا الكتاب دليل جديد على أن الحرب التى يشنها الصهاينة علينا ليست عسكرية فقط، بل ثقافية أيضًا. يريدون سرقة تاريخنا وهويتنا وليس أرضنا فحسب. ومحاولة تمييع الهوية الوطنية هى المدخل الضرورى لسرقة التاريخ. وهذا هو ما تحاول الكاتبة هدية بن ساحلي أن تفعله فى كتابها بدءًا من عنوانه الصادم «الجزائر اليهودية». عنوان فاضح تمامًا. فقد عزفت عن اختيار عنوان محايد مثل «اليهود فى الجزائر»، أو «يهود الجزائر» لأنها تحاول سرقة التاريخ وليس معالجة جانب من جوانبه.