بقلم : د. وحيد عبدالمجيد
كان الراحل الكبير د. محمود عبد الفضيل أحد من نبهوا إلى الاختلالات الفادحة فى إدارة الاقتصاد والمجتمع قبل ثلاث سنوات على ثورة 25 يناير.
وكان كتابه «نواقيس الإنذار المبكر-نظرات فى أحوال الاقتصاد والمجتمع فى مصر» الصادر عام 2008 أحد الأعمال التى دقت مبكراً أجراس إنذار تحذيراً من الاستهانة بتدهور متزايد. وقد نبه إلى تلك الاختلالات اعتماداً على تحليل علمي منهجى, وليس تعبيراً عن موقف سياسى فحسب وشرح عوامل هشاشة السياسات الليبرالية الجديدة فى نسختها السابقة على الثورة, وحذر من أداء صانعيها الذين عاد بعضهم ليطل علينا مجدداً فى الأيام الأخيرة ويقدم دروساً وكأنهم أفلحوا حين كانوا فى مواقعهم
لم يكن الراحل الكبير أستاذاً بارزاً فى الاقتصاد فحسب، بل عالماً مهموماً أيضاً بقضايا الوطن ونهضته وآلام شعبه. وليس كتاب «نواقيس الإنذار المبكر» الصغير حجماً والكبير قيمةً إلا واحداً من أعماله التى تضمن كل منها إضافة علمية. ويثبت هذا الكتاب أن بعض رموز النخبة المصرية نبهوا إلى ضرورة إصلاح الاختلالات التى استهان بها نظام مبارك، وشرحوا أن البديل عن هذا الإصلاح سيكون عاصفة هائلة قبل أن تؤكد الثورة صواب موقفهم.
وهذا دليل من بين أدلة لا حصر لها على أن شيئاً من الإصلاح الجاد كان كفيلاً بتجنب تحول الاحتجاجات السلمية الراقية إلى ثورة أبهرت العالم بلا إعداد أو تخطيط أو ما يزعم أعداؤها عن قصد أو غفلة أنه «تآمر».
لقد أوضح د. عبد الفضيل فى هذا الكتاب أن العاصفة قادمة لا محالة إذا لم تدرك السلطة ضرورة الإصلاح، وذكَّر بفيلم هندى عنوانه «الرعد البعيد»، موضحاً أننا عندما نسمع صوت الرعد من بعيد يجب أن نتوقع حدوث العاصفة بعد فترة وجيزة. وقد كان صوت الرعد مسموعاً بالفعل منذ عام 2005 على الأقل، وأخذ يزداد فى الوقت الذى بدت الغيوم فى الأفق. ولذلك كان واجباً على السلطة القائمة وقتها أن تفهم وتسعى وتتحرك بسرعة نحو الإصلاح قبل أن تهب العاصفة وتصبح فوق الرؤوس.
والحال أننا مازلنا فى حاجة إلى استيعاب منهج الراحل العزيز الذى يُعد أحد أبرز من أسهموا فى تحقيق التراكم فى العلم الاقتصادى على المستوى العربى على مدى عقود.
المصدر : صحيفة الأهرام