بقلم : د. وحيد عبدالمجيد
تعبر ردود الفعل التلقائية فى بعض الأحيان عن المشاعر بطريقة أكثر صدقا من أى تعليق مُعد مسبقاً.
وينطبق ذلك على رد فعل رئيس الوزراء الإيطالى ماتيو رينزى تجاه خسارته الاستفتاء على إصلاحات دستورية اقترحها، وتصويت نحو 60% من المستفتين ضدها. وعندما قال رينزى لم أكن أعرف أنهم يكرهوننى إلى هذا الحدس كان يعبر عن جملة مشاعر داخله كالحزن والألم والصدمة وخيبة الأمل. وقد عبر عنها بتلقائية فى بضع كلمات من النوع الذى لا يمر على العقل قبل أن يُقال.
فقد نشأ رينزى فى بيئة تنأى بالمواقف والصراعات السياسية عن الحب والكراهية، لأنها ترتبط بمعطيات واقعية واعتبارات موضوعية، وليس بتفصيلات شخصية. ولو أنه فكر لبرهة قبل أن يعبر عما اختلج فى داخله، لما قال إن من اقترعوا ضده يكرهونه، ولكان قد اختار تعبيرا آخر.
ولكن المواقف التلقائية التى قد تتضمن تعبيرات غير موفقة إنما تعبر فى الوقت نفسه عن قيم راسخة. وعندما تكون هذه القيم ديمقراطية، يبادر المسئول السياسى بالاستقالة حين يشعر بأنه فقد ثقة نسبة معتبرة من الناخبين. وهذا هو ما فعله رينزى، إذ فهم أن الاقتراع كان على سياسة حكومته بوجه عام، وعلى الأوضاع الاقتصادية التى تزداد سوءا بشكل خاص. ولم تثنه عن الاستقالة توقعات بأن تشهد الانتخابات المبكرة المترتبة عليها صعودا للتيارات القومية المتطرفة والعنصرية. ويعنى ذلك أنه لا يخاف على مستقبل الديمقراطية الإيطالية إذا فاز من يثير صعود أقرانهم فى كثير من الدول الأوروبية قلقا واسعا على مصير هذه الدول ونظمها الديمقراطية، وليس على الاتحاد الذى يجمعها فقط. وإذا كان هذا ما يراه رينزى، فهو مصيب، لأنه يدرك بالتالى قوة الثقافة الديمقراطية التى دفعته إلى الاستقالة، رغم الاهتزاز الذى يصيبها فى المرحلة الراهنة. ولذلك فهو يبدو أكثر وعياً من كاتبى التقرير الذى آصدره المجلس الأوروبى للعلاقات الخارجية قبل أيام، وطرح فيه تصورا متشائماً لمستقبل الديمقراطية فى أوروبا.
ويشعر قارئ هذا التقرير بأنه يعبر عن هواجس، بدلاً من أن يقدم رؤية تحليلية رصينة، حين يخلص إلى أن عام 2017 سيحدد مصير الديمقراطية الأوروبية من خلال الانتخابات التى ستجرى فى فرنسا وألمانيا وهولندا، فضلاً عن إيطاليا.
المصدر : صحيفة الأهرام