بقلم:د. وحيد عبدالمجيد
من الأمثال الشعبية البالغة الدلالة على تغير الظروف والأحوال، وعدم بقاء شىء أو شخص على حاله، المثل القائل «الدنيا دوارة». وهو ينطبق على حالة أوروبا، التى استعمَرَت دولها الأقوى ذات يوم أكثر من نصف بلدان العالم. لم تعد أوروبا اليوم قوة دولية يُحسب حسابها، أو يُخشى بأسها. وهى الآن فى موقف لا تُحسد عليه بعد فوز دونالد ترامب فى الانتخابات الرئاسية الأمريكية. فها هى الدول التى سادت العالم فى العصر الاستعمارى، وكانت مخيفةً بقوتها العسكرية وقدراتها الاقتصادية، تبدو خائفةً الآن مما سيترتب على عودة ترامب إلى البيت الأبيض.
تخشى أوروبا، أو أكثر دولها على الأقل، تنفيذ ترامب تعهده وقف الحرب فى شرق أوروبا على حساب أوكرانيا، بما يعنى انتصار روسيا التى تعتبرها خطرًا كبيرًا عليها، ومصدر تهديد لدول أخرى مجاورة لها.
كما تتهيب بعض دولها توسيع الإجراءات الحمائية التى اتُخذت خلال فترة إدارة ترامب السابقة، وزيادة الرسوم على صادراتها إلى الولايات المتحدة. يحسب الأوروبيون حساب الخسائر التى سيتكبدونها إذا نفذ تعهده بمضاعفة بعض الرسوم الجمركية على واردات أمريكية من دول عدة بعضها أوروبى. ومن شأن مثل هذه الإجراءات أن تزيد الضغوط على اقتصادات الدول الأوروبية التى يواجه معظمها أزمات كبيرة تسبب بعضها فى انهيار الائتلاف الحكومى الثلاثى فى ألمانيا قبل أيام، ليصبح ثانى ائتلاف أقلية حاليًا مع نظيره الفرنسى، وهو ما يعد مظهرًا آخر للأزمة الأوروبية العامة. كما أن بريطانيا فى مقدمة الدول الأوروبية التى ستزداد أزمتها فى حالة فرض رسوم أمريكية على صادراتها.
ولا يقل أهمية، إن لم يزد، تحسب الأوروبيين لضغوط يُتوقع أن يمارسها ترامب على دولهم التى لم ترفع معدل إنفاقها العسكرى إلى 2% على الأقل من ناتجها المحلى الإجمالى. وثمة خوف أكبر من أن يشرع فى تنفيذ تهديده بشأن تقليص الدور الأمريكى فى الحلف إذا لم يكن إسهام الأوروبيين فى ميزانيته مُرضيًا وفق معاييره. وربما يكون مستقبل الحلف على المحك فى هذه الحالة.
خوف كبير يشعر به الآن من أخافوا العالم طويلاً فى زمن الاستعمار التقليدى.