بقلم : د. وحيد عبدالمجيد
حقَّقت روسيا ترامب مكسبًا عسكريًا لا يُستهان به فى حربها على أوكرانيا برغم أنه أقل ما كانت تطمح إليه. تسيطر روسيا الآن على أربع مقاطعات ضمتها بطريقة الأمر الواقع. وينطوى هذا المكسب السياسى على منافع اقتصادية أيضًا. فأكثر من نصف المعادن الأوكرانية الثمينة توجد فى المناطق التى تسيطر عليها. كما ربحت رهانها على أن يعود ترامب إلى البيت الأبيض بسياسة مختلفة كثيرًا عن تلك التى انتهجتها إدارة بايدن، الأمر الذى يتيح لها ترسيخ مكسبها العسكرى برضا أمريكى فى إطار صفقة بدأت محادثات أولية بشأنها. فقد عاد ترامب أقوى مما كان فى ولايته الأولى. ولن تتمكن مؤسسات صنع القرار الخارجى, التى يتحفظ بعضها على إصلاح جذرى للعلاقات مع روسيا، من وقف اندفاعه فى هذا الاتجاه.
ولكن يبدو أن هذا المكسب تقابله خسارة سياسية . فقد انغمست روسيا فى الحرب بشدة على حساب دورها العالمى الذى يبدو أنه تراجع مقارنةً بما كان فى النصف الثانى من العقد الماضى. فقد انخفض صوتها الذى كان يجلجل معبرًا عن ثقة فى أن النظام العالمى لابد أن يتغير. وقل حديثها عن نظام تعددى أو متعدد الأقطاب. وبدت فى الأعوام الثلاثة الأخيرة أقرب إلى قوة إقليمية كبرى فى محيطها أكثر منها قوة دولية مؤثرة فى مسارات التفاعلات العالمية. لم يُسمع لها صوت مميز بشأن الاعتداءات على فلسطين ولبنان وإيران. لا يختلف موقفها عن كثير من الدول الصغيرة والمتوسطة التى تعبر بين حين وآخر عن امتعاضها من همجية الاعتداء على قطاع غزة.
كما وهن نفوذها فى سوريا، ومن ثم فى الشرق الأوسط بعد إسقاط نظام الحكم الذى تحالفت معه. لم تستطع حمايته بعكس ما فعلت فى 2015-2016 عندما كان تدخلها لمصلحته حاسمًا فى مسار الحرب الداخلية. وصار حلمها التاريخى بالوجود فى الحياة الدافئة معلقًا على ما ستقدمه مقابل الاحتفاظ بقاعدة حميميم والمنشأة العسكرية فى طرطوس بشكل مختلف عما كان.
لم ينته دور روسيا العالمى بطبيعة الحال. ولكنه ضعف وبات مرهونًا فى جانب أساسى منه بنتائج مفاوضاتها مع أمريكا ترامب.