بقلم : د. وحيد عبدالمجيد
توجد مداخل متعددة لتفسير فوز دونالد ترامب فى انتخابات الرئاسة الأميركية وفهم أبعاده المختلفة. ومن أهمها المدخل الذى يُرَّكز على حالة النظام السياسى الأميركى فى الوقت الراهن, بما ينطوى عليه من دروس سواء للولايات المتحدة نفسها أو لغيرها من الدول.
فقد دخل هذا النظام فى حالة جمود طال أمدها، وافتقر إلى التجديد الذى يسمح بتوسيع نطاق المشاركة، ويتيح لأجيال وأفكار جديدة النفاذ إليه، من أجل تجديد شرعيته. وأدى ذلك إلى انغلاق النخب المهيمنة عليه، وافتقادها القدرة على التواصل مع قطاعات مهمة فى المجتمع.
لم تصغ هذه النخب إلى رسائل متزايدة تلقتها من الفئات الاجتماعية المستاءة من أن يظل مصير الولايات المتحدة فى أيدى شبكات مصالح كبرى ومجموعات سياسية ضيقة بينها عدة عائلات مثل آل كلينتون، وآل بوش، وآل كيندي.
ووجد هؤلاء الغاضبون أن ترامب يمكن أن يُحرَّك الجمود المقيم فى واشنطن، ويفتح أبواباً فى النظام الذى أغلقته الطبقة السياسية على نفسها. وهذا هو الدرس الذى ينبغى أن ينتبه إليه كل من لا تدرك أخطار الجمود السياسي.
فقد استهانت الطبقة السياسية بترامب حين دخل السباق، ولم تفهم مغزى تفوقه على منافسيه فى الحملة التمهيدية داخل الحزب الجمهوري، ربما لأن قاعدته الشعبية الأوسع تشكلت تدريجياً على مدى أكثر من أربعة شهور منذ أن فاز بترشيح هذا الحزب فى آخر يونيو الماضي.
ويعود هذا التدرج إلى أن جزءاً يُعتد به ممن اقترعوا لمصلحته الأسبوع الماضى ظل يترقب ما إذا كانت كلينتون يمكن أن تدرك الواقع وتوجه رسائل تفيد بأنها تعتزم بدورها إصلاح النظام الذى ساهمت مع غيرها من الطبقة السياسية فى إفساده. ولكنها لم تحاول حتى إعادة رسم صورتها القديمة. وعندئذ ازداد الالتفاف حول ترامب وتقلص الفرق بين المرشحين فى استطلاعات الرأى العام، بعد أن أيقن كثير من الغاضبين أنه سبيلهم الوحيد إلى التغيير. ولأن الاستطلاعات لا تصل بسهولة إلى قطاع من هؤلاء الغاضبين الذين لا يثقون فى المؤسسة السياسية بمختلف جوانبها، فشلت الاستطلاعات الأخيرة فى توقع النتيجة التى انتهت إليها الانتخابات، وأكدت مجدداً أن جمود أى نظام سياسى هو الخطر الأكبر عليه.