بقلم : د. وحيد عبدالمجيد
لم يهنأ الرئيس الأمريكى ترامب باتفاق قادة الدول الأوروبية على إنفاق 800 مليار يورو خلال أربع سنوات لزيادة القدرات الدفاعية هذا ما كان يطالبها به، بل ربما أكثر مما توقعه. ولكن قبل أن تكتمل فرحته تبين أن المبالغ التى ستخصص لدعم التسليح ستُنفق فى شراء أسلحة من الشركات الأوروبية وليست الأمريكية.
لم يعد الأوروبيون فى حاجة إلى ضغطٍ من ترامب أو غيره لزيادة إنفاقهم الدفاعى. قلقهم المتزايد من التحول الحاصل فى السياسة الأمريكية تجاه روسيا وأوروبا وحلف «الناتو» يفرض عليهم الاعتماد على قدراتهم الذاتية، وعدم انتظار من يدافع عنهم. وعبرت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين عن هذا الاتجاه الجديد بقولها إن شيئًا كبيرًا تغير، وخلق شعورًا بالحاجة الملحة لمقاربةٍ جديدةٍ لقضايا الدفاع والأمن. وتدور هذه المقاربة الجديدة حول تقليل الاعتماد على الولايات المتحدة عبر زيادة المشتريات من الشركات الأوروبية، وتقوية البنية الأساسية للتصنيع والتكنولوجيا العسكرية، ودعم الاستثمارات الدفاعية المشتركة.
وإذا نُفِذت هذه الخطة بسرعة وجدية، وأمكن تجاوز العوائق المعتادة الناتجة من صعوبات التوافق بين 27 دولة، سيكتشف ترامب وأنصاره أنهم أخطأوا التقدير، سواء فيما يتعلق بالضغط على الأوروبيين لزيادة إنفاقهم الدفاعى، أو فيما يتصل بمنهجية عملية تحسين العلاقات مع روسيا دون تشاور معهم. فالطريقة التى تتبعها إدارة ترامب تنطوى على رسائل مُقلقة للأوروبيين، وتخلق أزمة عدم ثقة غير مسبوقة منذ تأسيس حلف «الناتو» 1949.
وربما يصل اعتماد الأوروبيين على أنفسهم فى قضايا الدفاع والأمن إلى مستوى يُغير طبيعة العلاقة التى تربطهم بالولايات المتحدة، سواء فى «الناتو» أو على وجه العموم. وفى هذه الحالة قد لا يكون فى إمكان واشنطن أن تجر الدول الأوروبية للمشاركة معها فى حروبها من خلال «الناتو» كما حدث فى حرب أفغانستان على سبيل المثال. فلم تكن ثمة ناقة للدول الأوروبية فى تلك الحرب ولا جمل، ومع ذلك كان على بعضها أن ترسل جنودًا إلى أفغانستان لخوض حرب أمريكية فى المبتدأ والمنتهى, لأن الاعتماد على الولايات المتحدة أتاح لها تحويل «الناتو» إلى أداة لتحقيق أهداف ومصالح أمريكية.