بقلم : د. وحيد عبدالمجيد
يكشف تتبع مسار العلاقات الأوكرانية-الروسية-الأمريكية خلال نحو ربع قرن جانبًا أساسيًا من مسار النظام الدولى، الذى بزغ عقب نهاية الحرب العالمية الثانية، باتجاه نهايةٍ يبدو أنها تكتمل الآن. فما أبعد البارحة عن الليلة. ما يحدث الآن أبعد ما يكون عن البارحة حين بدأت تلك العلاقات عام 1991 على أساسٍ من قواعد النظام الدولى، واستمرت فى الاتجاه نفسه، حتى أخذت فى الانحراف عنه عام 2014 وصولاً إلى ما يبدو أنها نهايةُ تكتمل الآن. فى 24 أغسطس 1991 أصدرت الدورة الاستثنائية للمجلس الأعلى للاتحاد السوفيتى قرار استقلال أوكرانيا، والاعتراف بها بصفتها دولة مستقلة ذات سيادة. وتوالت الاعترافات الدولية سريعة بعد ذلك، بما فيها اعتراف الولايات المتحدة فى 25 ديسمبر من العام نفسه. أُجريت محادثات مطولة لنزع الأسلحة النووية التى كانت فى أوكرانيا كجزء من الترسانة السوفيتية. وعُقدت جولات تفاوضية عدة أسفرت عن مجموعة من الاتفاقات والبروتوكولات فى عامى 1992 و1993، ثم بيان ثلاثى فى يناير 1994، حيث التزمت أوكرانيا بنزع السلاح النووى مقابل الدعم الاقتصادى وضمانات أمنية من أمريكا وروسيا. وبناء على ذلك وُقعت مذكرة بودابست الثلاثية فى ديسمبر 1994 حول الضمانات الأمنية الأمريكية والروسية بشأن استخدام القوة أو التهديد بها ضد أوكرانيا وضمان سلامة حدودها التى كانت قائمةً حينذاك. وعندها اطمأنت أوكرانيا وانضمت إلى معاهدة منع الانتشار النووى بوصفها دولةً غير نووية فى الشهر نفسه. واستمرارًا لذلك المسار المنسجم مع قواعد النظام الدولى حينذاك أصدرت موسكو وواشنطن فى 2009 بيانًا مشتركًا يؤكد أن الضمانات الأمنية لأوكرانيا ستظل سارية وفقًا لمعاهدة بودابست لعام 1994 بعد انتهاء معاهدة ستارت للحد من الأسلحة الهجومية الاستراتيجية التى استمر العمل بها خمس سنوات (ديسمبر 1994-ديسمبر 1999). ولم يحدث أى تحرك فى الاتجاه نفسه بعد ذلك فى الوقت الذى كانت العلاقات الروسية - الأوكرانية تتجه صوب حرب باردة بفعل متغيرات عدة، إلى أن بدأ التحول فيها مع دخول القوات الروسية شبه جزيرة القرم فى مارس 2014 فى خطوةٍ أولى باتجاه النهاية إلى يبلغها النظام الدولى الآن.