بقلم : د. وحيد عبدالمجيد
من الطبيعى أن يثير الارتفاع الكبير فى سعر الدولار مقابل الجنيه، بعد التخلى عن سياسة تثبيته بشكل تعسفي، جدلاً واسعاً مصحوباً بقلق كبير. ولكى يكون هذا الجدل مفيداً، يحسن أن يبدأ بالسؤال عما إذا كان السعر الراهن حقيقياً من عدمه.
وهذا هو السؤال المركزى فى مسألة الأسعار بوجه عام. والمقصود بالسعر الحقيقى للدولار هو ذلك الذى يعبر عن الواقع الفعلى الذى يحدده حجم الطلب عليه مقارناً بكم المعروض منه فى السوق. ورغم أن سعر الدولار تضاعف تقريباً عقب تغيير السياسة النقدية، فهو يُعدَّ سعراً حقيقياً فى ظل المعطيات الاقتصادية الراهنة، إلى أن يحدث تغيير فى هذه المعطيات يؤدى إلى خفضه بشكل طبيعي، أى بعيداً عن الحالتين اللتين تؤثران فيه بطريقة غير اقتصادية، وهما تدخل البنك المركزى فى اتجاه معاكس لحركة السوق، وازدياد المضاربات. والحالتان مرتبطتان فى الأغلب الأعم. فعندما يفرض البنك المركزى سعراً غير واقعى ويتجاهل حالة الاقتصاد وأوضاع السوق، يقل المعروض من الدولار ويتجه حائزوه إما إلى تخزينه، أو المضاربة فيه للاستفادة من الفرق بين السعر الرسمى المصنوع وسعر السوق الطبيعي. ولذلك فرغم أن السعر الراهن للدولار حقيقي، فإنه قابل لانخفاض محدود عندما يزداد المعروض منه فى ظل الوضع الاقتصادى الراهن0 أما حدوث تراجع كبير فيه فهو يتطلب تحسنا ملموسا فى هذا الوضع يؤدى إلى خفض جوهرى للعجز فى الميزان التجاري. ولا يكفى انخفاض هذا العجز بنسبة محدودة فى شهر أو آخر، كما حدث مثلاً فى سبتمبر الماضى وفقاً لآخر تقرير للجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء عن الميزان التجاري. فقد انخفض العجز فى ذلك الشهر بنسبة 27.1%, ولكنه ظل كبيراً جداً (22.6 مليار جنيه).
ولكى يحدث انخفاض كبير وسريع ومستمر فى اتجاه واحد دون تذبذب، نحتاج إلى مراجعة أولويات السياسة الاقتصادية للتركيز على الإنتاج، والاهتمام بالخدمات المرتبطة بالاقتصاد الجديد أو الرقمي، من أجل تحويل القدرات البشرية المعطلة إلى طاقة إنتاجية ضخمة. ويتطلب ذلك اعطاء أولوية قصوى لاقامة منظومة متكاملة تتضمن مئات الآلاف من المشاريع الصغيرة جداً، والصغيرة، وآلاف المشاريع المتوسطة, ومراجعة كل ما يتعارض مع هذا الاتجاه لتأجيله الى أن يستعيد الاقتصاد عافيته .
المصدر : صحيفة الأهرام