بقلم : د. وحيد عبدالمجيد
ما زاد على حده انقلب ضده. قول مأثور ينم عن حكمة. ينطبق هذا القول على سياسة إدارة ترامب التى تهدف لحماية الصناعة المحلية وإعادة الشركات المهاجرة اعتقادًا فى أن هذا هو السبيل إلى ما يُطلق عليها عظمة الولايات المتحدة.
لا يوجد ما يدل على أن هذا الهدف قابل للتحقق عبر رفع الرسوم الجمركية إلى مستويات تتجاوز الخيال، خاصةً فى حالة الصين. وهناك فى المقابل ما يدل على أن رفع هذه الرسوم سيضر الاقتصاد الأمريكي. ضرره الأول هو ارتفاع أسعار السلع المستوردة التى تُفرض عليها رسوم مرتفعة ومن ثم إطلاق موجة تضخم جديدة. بعض السلع المنتجة فى أمريكا ستزداد أسعارها أيضًا لأنها تعتمد على مكونات مستوردة من الصين أو المكسيك أو كندا، أو أى من الدول الأخرى التى أُرجئ تطبيق الرسوم الجديدة عليها لمدة 90 يومًا.
ولكن الضرر الأكبر قد يكون فى صورة تباطؤ اقتصادى ربما يقود إلى ركود إذا توسع نطاقه واستمر لعامين أو أكثر. فارتفاع معدل التضخم يدفع إلى رفع سعر الفائدة المصرفية لسحب السيولة الزائدة التى قد يؤدى إنفاقها إلى مزيد من ارتفاع الأسعار. ورفع سعر الفائدة يُقلل الاستثمار لعدم قدرة المستثمرين عن الاقتراض بالسعر المرتفع.
أما «حلم» إعادة الشركات الأمريكية التى هاجرت إلى الصين ودول أخرى فيتطلب سنوات طويلة قد تتجاوز قترة رئاسة ترامب، وتزيد بالتأكيد على ما بقى من العاملين الأول والثانى فى هذه الفترة قبل إجراء انتخابات منتصف المدة التى يُرجح أن يفقد فيها الأغلبية فى مجلسى الكونجرس أو أحدهما على الأقل. سيعود بعض الشركات، ولكن عودة أغلبها تتطلب مقومات غائبة أهمها العمالة الرخيصة والاستقرار المالي. كما أن عملية إعادة الشركات الأكبر أكثر صعوبة لأسباب أهمها ضخامة سلاسل الإمداد الخاصة بها. خذ مثلاً شركة «أبل» التى تحتاج عودتها عدة سنوات، وتكلفة هائلة تقدر بأكثر من 30 مليار دولار. فهى تعتمد بنسبة أكثر من 80% على مكونات مصنوعة فى الصين وتايوان وكوريا الجنوبية.
ألا يصح، إذن، القول إن الحماية الزائدة على الحد ربما تنقلب دمارًا قد لا يقف عند حد!