بقلم : د. وحيد عبدالمجيد
كثيرة الأزمات والمشكلات التى يحتاج السوريون إلى إعطاء أولوية لمعالجتها. فحسنُ اختيار الأولويات وترتيبها هو ما يضمن التحرك إلى الأمام فى وضع صعب ومثقل بما يتطلب سنوات لتخفيف وطأته.
ولذا يحسن تأجيل عملية صياغة دستور جديد حتى تعالج الأزمات والمشكلات الأكثر حدةً وخطرًا لتجنب صراعات يمكن أن تشعل نارًا جديدة قبل إطفاء لهيب سنوات الحجر الطويلة. وهذا بعض ما يمكن أن يُستنتج من تجارب بلدان عربية أخرى لم تدرك النخب السياسية فيها ذات يوم أو آخر أن الانغماس فى معارك على تشكيل الجمعيات أو اللجان التى تتولى عملية صياغة مشروع دستور، ثم فى صراعات ضارية على بعض مواد هذا المشروع، لا يقود إلا إلى فشل بل ربما يمكن اعتباره وصفة «سحرية» لإحباط أى عملية انتقال سياسى. يكفى الصراع على مادة واحدة أو بضع مواد قليلة تتعلق بهوية الدولة ومرجعياتها لإشعال صراعات يتعذر وضع حد لها، وقد تقود إلى حرب داخلية جديدة. فصياغة الدستور تتطلب بناء توافق عام تزداد صعوبته فى المجتمعات الأكثر تعددية، وفى البلدان المأزومة. وفى سوريا تعددية واسعة النطاق، واختلاف شديد قد يبلغ مبلغ التناقض بشأن هوية الدولة ومرجعياتها. ولا يتيسر الشروع فى صياغة دستور جديد فى مثل هذا الوضع إلا بعد تعارف سياسى متبادل تأخر كثيرًا بين مكونات المجتمع، ووضع حد لصور نمطية سلبية تدفع إلى رغبة فى التغلب والإقصاء. فالمطلوب الآن مناخ سياسى مفتوح تتاحُ فيه فرص للحوار اللازم لكى تعرف الأطراف المختلفة بعضها بعضًا بشكل واقعى وليس وفق صورة متخيلة.
ولذا يحسن الاكتفاء بإصدار إعلان دستورى قصير يتضمن المواد اللازمة لتحديد نظام الحكم الجديد والقواعد الأساسية لتسيير شئون البلاد من خلال عملية تشاور لا يُتوقع أن تكون صعبة بسبب الطابع الإجرائى الغالب فى هذا النوع من المواد. ويمكن الاعتماد على هذا الإعلان لإدارة الدولة لبضع سنوات يؤمل أن تندمل خلالها جراح غائرة، ويكتسب السوريون ثقافة قبول الآخر والتسامح والائتلاف. وعندها تصبح عملية صياغة الدستور أكثر سهولة أو أقل صعوبة.