بقلم : د. وحيد عبدالمجيد
تعود البشر على مشاهد القتل العمد والإبادة الهمجية فى قطاع غزة، وامتداداتها فى الضفة الغربية ولبنان طوال 15 شهرًا، وفقد أغلبهم ما كان قد بقى من إنسانيتهم. قتلُ ممنهج بمختلف الأسلحة التى اخترعتها عقول شريرة، وتستخدمها قوات أكثر شرًا. أسلحة رشاشة، ومدفعية، وطائرات متنوعة يقود بعضها طيارون يستمتع بعضهم بقتل من يقذفونهم من أعلي، ويُبرمج بعض آخر منها إلكترونيا لكى تقتل من يوجدون فى مبان أو أماكن تُطلق صوبها. شاهد مئات ملايين البشر على الأقل مشاهد القتل المستمر ليل نهار، ومضوا إلى حال سبيلهم لا يلوون على شيء، أو يتفوهون ببضع كلمات تعبر عن امتعاضهم فى أفضل الأحوال. وربما أُصيب بعض من داوموا على مشاهدة القتل المتواصل كل يوم بانفصام سياسى حاد يؤدى إلى انتفاء الصلة بين ما يقوله المصاب به وما يفعل، فيبدو كلامه عن إجرام دموى لا مثيل لبشاعته كما لو أنه حديث عن عمل درامى تراجيدى مسلسل يتابع أحداثه وقد يُعلق عليها أو لا يهتم، وربما يتفاعل معها فى بعض الأحيان، وقد ينفعل بها فى البداية إلى أن يألفها، ثم ينشغل بأموره الخاصة إلى أن يعود لمشاهدتها مرة أخري، مثلما يفعل كُثُر يحبون مشاهدة الأعمال الدرامية الطويلة التى يتكون بعضها من بضع مئات من الحلقات. ويزداد خطر هذه الحالة إذا صار المصاب بها مدمنًا على مشاهدة القتل. هذا عن البشر الأسوياء العاديين منهم والسياسيين فى بلدان شتي، وليس عمن تبهجهم مشاهد القتل مادامت من فعل حليفهم أو صديقهم الصهيونى الذى يُخلصهم من «محاور الشر» أينما كانت، فيشجعونه ويدعمونه ويشارك بعضهم فى جرائمه سواء بشكل مباشر أو غير مباشر. وإذا تجاوز القتل مستوى معينًا فى يوم أو آخر، لا مانع من أن يتفوهوا ببضع كلمات تعبر عن ألم مصطنع، أو تدعو إلى تحقيقٍ لا يُجري. وإذ يحدث هذا كله وغيره فى القرن 21، لم يعد ما كنا نعُدَّ فظائع المغول وهولاكو خان فى القرن الحادى عشر، وغيرها من الجرائم، إلا هامشًا على متن الإجرام الأعظم الذى بات عاديًا.