بقلم : د. وحيد عبدالمجيد
يحتاج تشكيل حكومة ألمانية جديدة إلى أسابيع، وربما شهور من المفاوضات الائتلافية، فى الوقت الذى تتسارع الضغوط الناتجة من التغير الدراماتيكى المترتب على سياسة إدارة ترامب إزاء أوروبا. يحاول زعيم حزب الاتحاد المسيحى الديمقراطى فى ألمانيا فريدريش ميرتس اجتياز عوائق وضعتها نتيجة الانتخابات البرلمانية أمام تشكيل حكومة جديدة. لا يرغب فى الاتفاق مع حزب اليمين الراديكالى «التحالف من أجل ألمانيا» الذى حل فى المركز الثانى، ليس لأن الهوة بينهما واسعة، ولكن لأن عبء المرحلة النازية مازال يُثقل ألمانيا التى لا يرى معظم ساستها إلا سيئات هذه المرحلة، ويصرفون أنظارهم عن حسناتها.
فالفجوة بين حزب ميرتس والأحزاب الأخرى ليست أضيق من تلك التى تفصله عن حزب البديل، بل ربما يكون هذا الحزب أقرب إليه فى قضية الهجرة التى حظيت بأوسع اهتمام وتصدرت الحملة الانتخابية مع القضايا الاقتصادية والاجتماعية. ومع ذلك يحاول ميرتس أن يجد طريقةً للتفاهم مع اثنين من الأحزاب الثلاثة التى يتكون منها الائتلاف الحالى الذى أسقطه الناخبون، وهما الحزب الديمقراطى الاشتراكى وحزب الخضر. الخيار الأفضل بالنسبة له هو تشكيل ائتلاف ثلاثى معهما. ويليه خيار تشكيل ائتلاف ثنائى مع الحزب الديمقراطى الاشتراكى على أن يقدم حزب الخضر أو حزب اليسار شبكة أمان له فى البرلمان. إنها مهمة جد عسيرة، ولكنها ليست مستحيلة.
فقد واجهت رئيس حكومة تصريف الأعمال الحالية شولتز صعوبات كبيرة أيضًا عندما شرع فى تشكيل ائتلاف مع حزب الخضر والحزب الديمقراطى الحر (الليبرالى)، (ائتلاف إشارة المرور) عام 2021. ولكن مهمة ميرتس قد تكون أصعب، إن لم يفرض التغيير الجوهرى فى السياسة الأمريكية تجاه أوروبا، وما يقترن به من مخاطر، على المتفاوضين إبداء مرونة بغض النظر عن مواقعهم فى عملية المفاوضات الائتلافية. وهذا اختبار صعب للأحزاب الثلاثة وللنظام الديمقراطى فى ألمانيا أيضا. فالتداعيات المترتبة على «الانقلاب» فى السياسة الأمريكية لا تنتظر انتهاء المفاوضات وتشكيل حكومة ألمانية كاملة الصلاحيات تستطيع التعامل معها, ويكون لديها وقت يكفى للاستعداد لقمة حلف «الناتو» فى آخر يونيو المقبل.