بقلم : د. وحيد عبدالمجيد
رسمت خطابات الرئيس دونالد ترامب خلال حملته الانتخابية ملامح سياسة حمائية، تعتمد على استخدام الأدوات المالية السيادية. فقد هدّد بفرض رسوم جمركية على سلع تستوردها الولايات المتحدة من معظم الدول التي تعتبر كبيرة، أو رفع هذه الرسوم حال وجودها.
وشرع فور تنصيبه في إصدار مراسيم تنفيذية لتطبيق ما تحدث عنه، إذ قرر فرض رسوم جمركية على الواردات من الصين وكندا والمكسيك. ورغم أن الاتصالات الديبلوماسية الفورية، التي حدثت بين كل من أوتاوا ومكسيكو سيتي في جانب وواشنطن في الجانب الثاني، أسفرت عن إرجاء تطبيق قرارَي فرض الرسوم الجمركية على واردات الولايات المتحدة من كندا والمكسيك، فهذا إجراء مؤقت قد يُلغى فيصبح القراران نافذين بعد أسابيع. وفي الأثناء تنتظر دول الاتحاد الأوروبي «نصيبَها» من السياسة الحمائية الأميركية الجديدة، إذ لوّح ترامب في حملته الانتخابية أيضاً بمراجعة مسارات التجارة منها. ويهدف هذا الاتجاه الحمائي إلى تقوية الاقتصاد الأميركي، وفق تقدير الرئيس ترامب وفريقه.
وهذا تقدير صحيح جزئياً. فالسياسة الحمائية تحمي المنتجات المحلية وتزيد الطلب عليها في الأسواق الداخلية بعد تحريرها من تنافسٍ قد يكون صعباً بالنسبة إلى مُنتجيها أو بعضهم. وفي الحالة الأميركية تحديداً ربما تفيد هذه السياسة في تحقيق بعض ما يسعى إليه ترامب على صعيد إعادة الشركات الأميركية التي «هاجرت» للاستثمار في شرق آسيا، وخاصةً في الصين وفيتنام. ويُعد هذا هدفاً كبيراً بالنسبة لترامب منذ ولايته الأولى بين يناير 2017 ويناير 2021.
وهذا يفسر وضع القرارات الخاصة بالرسوم الجمركية في مقدمة أولويات ولايته الثانية. غير أن آثار السياسة الحمائية لا تكون إيجابية في كل الأحوال لأنها تحرم الاقتصاد في البلاد التي تتبعها من فرص كبيرة تتيحها التجارة الدولية والاستثمار العابر للحدود. وربما تكون سلبياتها كبيرة في الحالة الأميركية بصفة خاصة.
فقد بُني الاقتصاد الأميركي منذ البداية على الحرية والانفتاح إلى أقصى مدى. وكان هذا أحد أهم عوامل تطوره وتوسعه حتى صار الأكبر والأول في العالم. كما أن التوسع في إتباع السياسة الحمائية يؤدي غالباً إلى ارتفاع أسعار السلع والمنتجات التي تُفرض عليها رسوم جمركية مرتفعة، ومن ثم إلحاق ضرر بالمستهلكين وخاصةً مَن يعتمدون على سلع ومنتجات صينية تكون أرخص في العادة من مثيلاتها الأميركية وغيرها.
وحينها سيظل التضخم عبئاً على الاقتصاد الأميركي، وقد يعود إلى الارتفاع بعد أن بدأ منحناه يتجه إلى الهبوط. كما أن الضغط لإعادة الشركات الأميركية من شرق آسيا عبر فرض رسوم على صادراتها لأميركا، قد لا يُحقق في هذه الحالة مراده، وخاصةً في ضوء الحملة الكبيرة لطرد المهاجرين غير النظاميين الذين يتقاضون في الأغلب أجوراً أقل من نظرائهم الأميركيين. وغَنيٌ عن الذكر أن «هجرة» هذه الشركات تعود في المقام الأول إلى حاجتها لعمالة أرخص تجدها خارج الحدود. ومع ذلك يظل الوقت مبكراً لجوابٍ قاطع بشأن أثر السياسة الحمائية على الاقتصاد الأميركي، وهل تكون سلبياتها أكثر من إيجابياتها أم العكس.