«بحر»  وسحابة نهار

«بحر» .. وسحابة نهار

«بحر» .. وسحابة نهار

 العرب اليوم -

«بحر»  وسحابة نهار

بقلم : د. وحيد عبدالمجيد

نهار آخر أيام العام الفارط، شئتُ استنطاق "بحيرة لوط" فحكى البحر الميت وجع الزمان. بحر هو أم بحيرة؟ بحيرة لوط، أم البحر الميت؟
"البحر" بحران: بحر يحتضر في كفن أزرق داكن (شمالاً إذا جئته من الشمال؛ وجنوباً إذا جئته من الجنوب) .. وبحر آخر برزت عظامه من كفن أبيض أملس جدا. سطح مرآة تنظر فيها الجبال الهرمة فترى على صفحته بقية من شبابها الهارب.
البحر بحران، إذاً، بحر ميت وبحر أكثر منه مواتاً. لتقل الأساطير ما تقول من حكاية لا تصدقها عيناك. استنطقت "لوطا" عن الكارثة الأولى التي ولدت خليقة ثانية، فأومأ إلى شُجيرات مسخوطة من "الدوم" و"النبق" الذي صار "زعروراً".
من "الصنوبر" الذي صار شجيرات "الإثْل" (أو "نثل" بلغة العامة). وما الفرق غير الفاضح بين شجيرات "الدوم" و"النبق" وبين شجيرات "السِدْر"؟ .. وأين هي "سِدْرة المنتهى"؟
ربما لـ "الإثْل" لهجة "الصنوبر" الغابرة. ربما للبطيخ أصل "الحنظل" قبل ان تطيب مرارته الى ماء وسكر. "حنظل" في البرية والى جانبه نباتات البطيخ تلتحف ما يحميها من برد ليالي الكوانين.
على ضفاف البحر الميت ترى الزمان فادحاً، وتحسّ الوقت خادعاً.. وهكذا تقول الناس: "بتقول مشوار ساعة بتمشي يوم". غير اننا قطعنا المشوار بين اول البحر الميت وآخر البحر الاكثر مواتاً خلال ساعة في سيارة تنهب الطريق، ولا تبالي: مسادا هنا. هناك قمران. عين جدي.. و"كومة" من النُزُل والفنادق الفاخرة. أبناء "دولة اسرائيل" وضيوفهم.. وأنا الغريب - غير الغريب؟
تقول الاسطورة (تاريخ الناس المحكي قبل كتب السماء الاولى): عندما جاء الطوفان، انقلبت مملكة لوط عاليها سافلها. الحيوانات اندثرت.. وأما النباتات فقد "مُسخت".. وأما "قوم لوط" الذين عاثوا فسادا على التلال، فقد رقدوا رقدة الأبد في قعر البحر الميت.. ومن يومها لم يعد "بحيرة لوط".
تقول الجيولوجيا (تاريخ الارض قبل نطفة الحياة الاولى). فارت الارض. ثارت الجبال. لفظت الارض ما في جوفها من "حميم". سقت البحر عذابا من نار، وسيولا من المعادن المصهورة. انقلبت الارض عاليها سافلها. انقلبت الحياة وكائناتها "مُسخت".
تقول الجغرافيا (لا تنظر إلى الخرائط والمصورات.. انظر إلى صفحة زرقاء وصفحة بيضاء): يبدو البحر الميت جسدا واحدا كالتابوت الازرق على الخرائط والمصورات. لكن، بالعين البصيرة فالبحر الميت بحران: بحر يحتضر (رغم "قبلة الحياة" يعطيها له نهر الشريعة منذ ما قبل الشريعة) وبحر يلملم كفن موته الابيض على عظامه التي برزت.
يخيل إليك ان جسوراً بناها الانسان لاستخراج املاح البحر، صارت مثل اضلاع جثة كالمومياء.
.. ويخيل إليك ان البحر الميت (في قسمه الأكبر مواتا) ليس الا مرآة الجبال. هنا قد تقول: هذا سراب. وهنا قد تقول: هذا ماء أجاج.
والبحر الميت لا يحكي بغير لغة عينيك، يا حفيد اسماعيل الذي بلا "دولة اسماعيل".. وأنت تجوب ارضا صارت "دولة اسرائيل". ها أنت تسيح من اول البحر الميت شمالا الى اول عظامه جنوبا.
تقول الطوبوغرافيا: برزخ من السبخات والماء الآسن يفصل بين بحرين: ميت وأكثر مواتا. تستطيع ان تجتاز البرزخ البري على قدميك من "ضفة غربية" الى "ضفة شرقية" وبالعكس. فإذا رويت لأحد في غير مكان انك قطعت البحر الميت ماشيا على قدميك فسوف يكذبك اذا نظر الى الخارطة المصورة، لأنه لم ينظر الى الخارطة الملموسة.
تقول نبوءة المستقبل: سيظل البحر الميت يجرجر اذيال موته الى أن يستحيل "بحر ملح" او يسعفه البحر الاحمر بماء اقل ملوحة. لكن هذا الاسعاف قد يكون كارثة العصر الجديد.
*          *          *                                      
كان ابن بطوطة يجوب البلاد ويمخر البحار. غير أنني كنت مرة على الشاطئ الشرقي من البحر وصرت على الشاطئ الغربي.
جئت ذاك البحر مرّة من النقب، وجئته مرة اخرى من أريحا. نظرتُ جباله العرجونية من ضفة الشرق؛ ونظرتها من ضفة الغرب.
يمنحك البحر الميت فرصة القول: قطعت بحرا في ساعات من النهار.. ويمنحك فرصة تأمل بحر يموت كل يوم، وبرّ يولد كل يوم.. وأنت تعيش "برهتك" الساطعة بين موت كان وموت سيكون.
*          *          *
إضافة لاحقة: التقيت محمود درويش، في اليوم التالي بمسرح "عشتار". قال: "ما هذا؟.. هذا شعر "قلت: "لا تجامل..؟" قال: "لا أجامل أبداً.. ولا أحداً".

arabstoday

GMT 14:23 2019 الأربعاء ,11 أيلول / سبتمبر

مواجهة الإرهاب.. حصاد 18 عاماً

GMT 14:21 2019 الأربعاء ,11 أيلول / سبتمبر

إسرائيل بعد الانتخابات.. فيم ستختلف؟

GMT 07:46 2019 السبت ,31 آب / أغسطس

هل تُزهر الأشجار في السودان؟

GMT 08:45 2019 الخميس ,30 أيار / مايو

موقعة إنجليزية فى مدريد

GMT 07:24 2019 الأربعاء ,29 أيار / مايو

أطفال تُعساء زى الفل!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«بحر»  وسحابة نهار «بحر»  وسحابة نهار



تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:11 2024 الثلاثاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

الأميرة آن تُغير لون شعرها للمرة الأولى منذ 50 عاماً
 العرب اليوم - الأميرة آن تُغير لون شعرها للمرة الأولى منذ 50 عاماً

GMT 11:50 2024 الثلاثاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

ولي العهد السعودي يُدين الإجراءات التي اتخذتها إسرائيل في غزة
 العرب اليوم - ولي العهد السعودي يُدين الإجراءات التي اتخذتها إسرائيل في غزة

GMT 14:56 2024 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

أداة ذكية لفحص ضغط الدم والسكري دون تلامس

GMT 01:33 2024 الثلاثاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

اعتقالات جديدة في أحداث أمستردام وتجدد أعمال الشغب

GMT 13:05 2024 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

مهرجان آفاق مسرحية.. شمعة عاشرة

GMT 06:21 2024 الثلاثاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

مفكرة القرية: الطبيب الأول

GMT 10:50 2024 الثلاثاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

سبيس إكس تعيد إطلاق صاروخ Falcon 9 حاملا القمر الصناعى KoreaSat-6A

GMT 20:05 2024 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

انضمام بافارد لمنتخب فرنسا بدلا من فوفانا

GMT 16:04 2024 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

ريال مدريد يكشف طبيعة إصابة فاسكيز ورودريجو في بيان رسمي

GMT 07:23 2024 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

أزياء ومجوهرات توت عنخ آمون الأيقونية تلهم صناع الموضة

GMT 08:47 2024 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

تامر حسني يتألق في حفل حاشد بالقرية العالمية في دبي

GMT 14:12 2024 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

ليفربول يفقد أرنولد أسبوعين ويلحق بموقعة ريال مدريد

GMT 22:55 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

ليوناردو دي كابريو يحتفل بعامه الـ50 بحضور النجوم
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab